الكتاب أمام تحديات التصفح الالكتروني

ثقافة 2019/08/05
...

استطلاع / قحطان جاسم جواد 
في الوقت الذي كان الكتاب خير جليس في كل أزمنتنا السالفة، توارى اليوم أمام  جبروت  الانترنيت وجهاز الحاسوب ، الذي جعل كل شيء سهلا ومتوفرا ، على نحو مثير. فالانترنيت  أو شبكة المعلومات تلك الخطوة المفصلية في حركة التاريخ فاقت كل تصورات العقل، نتيجة  لما توفره من معلومات دقيقة وواسعة ومكثفة وبسرعة فائقة ، وصارت عند الكثيرين بديلا مهما للكتاب الورقي. فهل توارى الكتاب الورقي ودوره في حياة المثقفين؟ أم انه مازال متمسكا  بأهميته ودوره الكبير في الحياة ، بدليل ان معظم دول العالم مازالت تقيم معارض الكتب وتبيع الاف النسخ .إنها  منافسة غير  شريفة ولا متوازنة  بين طرفين احدهما يملك تقنيات العلم والحضارة وآخر لا يملك غير الورق والكلمة ! 
سألنا مجموعة من الأدباء والمثقفين حول تلك العلاقة ،هل هي منافسة أم صراع أم إقصاء؟ تماما كما لو كنا إزاء قوتين : قوة طاردة وأخرى مطرودة.
 
متعة قراءة الكتاب الورقي
الروائي «محمد علوان جبر» قال:-
 شخصيا احب الكتاب الورقي ،واميل اليه جدا ، لأنني اجد نفسي فيه .وقد رافقته طوال حياتي ،ومع كل كتاب جديد كنت امسك القلم في اثناء القراءة وأدون ملاحظاتي عنه ،مع الاسترخاء في القراءة وربما في الجلوس بالطريقة التي تريحني .وقد تتحول ملاحظاتي الى مقال اكتبه في ما بعد .اما الكتاب الالكتروني فتتفق معه الملاحظات التي ذكرتها .لكن عندما اريد العودة الى احدى الصفحات لابد لي من كتابة رقم الصفحة والسطر حتى استطيع العودة اليه .وهي مهمة صعبة وتأخذ وقتا .اضف الى ذلك ليس كل الكتب التي تحتاجها متوفرة على الانترنيت ،لاسيما الجديدة منها .عموما انا مع الكتاب الورقي لأني اجد متعة كبيرة فيه. وحين ازور معارض الكتب في العراق وخارجه اقتني منها المزيد من الكتب الجديدة .وبالرغم من ذلك اجد ان المستقبل حتما سيكون للكتاب الالكتروني. 
 
إرث وذاكرة 
الشاعر «جمال الهاشمي» اكد انه يعشق الكتاب الورقي ،لأنه ذاكرة وارث وامتلاك عكس الكتاب الالكتروني الموجود في الانتريت .كما يحتفظ الكتاب بشكل عام بقصص عن كتبهم وعن كيفية الحصول عليها ،وكم دفع فيها .حتى رائحة الورق في الكتب لها مذاق خاص، رغم ان البعض لا يحصل عليه بيسر وربما سعره غال .في حين أن الكتاب الالكتروني لا يمثل لك اي شيء غير وجوده على الانترنيت ويشاركك فيه جميع من هو موجود في هذا المجال ،ولا يرتبط معك بأي ذكرى او واقعة .لكنه اسهل في الحصول عليه ولا يكلفك اي اجور .واعتقد ان الكتاب الورقي سيبقى محافظا على وجوده بين القراء ،بدليل ان كل دول العالم تحرص على اقامة معارض الكتب وتطرح فيها كل جديد سنويا.
 
المستقبل للكتاب الالكتروني رغم تواجد الورقي
الكاتب الساخر «محمد غازي الاخرس» قال: اظن ان الكتاب الورقي بدأ ينحسر دوره ،خصوصا عند الاجيال الشابة من الكتاب والقراء .فالقراء من اعمار ما بعد الاربعين اعتادوا على الكتاب الورقي ،في حين ان الشباب خصوصا الذين عاصروا السنوات الـ 15 الاخيرة ودخول الانترنيت ،وتعرفهم على الكتاب الالكتروني ،اصبحوا يستعينون بالكتاب الالكتروني ويفضلونه على الورقي ،بحكم انه سهل الحصول عليه ومجانا وسرعة توفره .ساعدهم في ذلك ان هناك الكثير من المؤسسات بدأت بتحويل الورقي الى الكتروني .ومن الممكن من خلال جهاز الآيباد تحميل مئات الكتب وتستطيع قراءتها في وقت تشاء ،سواء اذا كنت في المنزل او خارجه .لكن مع ذلك 
 
يبقى الكتاب الورقي وجوده رمزيا ،رغم الحميمية التي تتوفر بينه وبين القارئ .واعتقد ان الغلبة والمستقبل ستكون للكتاب الالكتروني ،رغم استمرارية وجود الكتاب الورقي ،لكن ليس بنفس القوة والطلب عليه كما في السابق.
القاص”كاظم حسوني”شاركنا برأيه في الموضوع فقال:
من دون ادنى شك ان المستقبل للكتاب الالكتروني ،خاصة بعد التطور الهائل للكتابة الرقمية وانتشارها وتداولها في مختلف انحاء العالم .وحاليا نجد بوادر الانحسار والاختفاء التدريجي للصحف الورقية حتى العريقة منها وتحولها الى صحف الكترونية ،كذلك المجلات كما حصل في العراق وبقية البلدان العربية ،منها صحف عربية شهيرة ،التي دشنت مؤخرا عهدا جديدا بالكتابة الرقمية .هذا الحال ينسحب تدريجيا الى عالم الكتب والتحول من القراءة الورقية الى القراءة الرقمية .وسيأتي يوم ربما نشهد فيه انقراض المكتبات العامرة في المتنبي وبقية اسواق الكتب. لكن هذه التحولات الى الكتب الرقمية، لا تنسجم في الغالب في وقتنا الراهن في الاقل مع مزاج القارئ ،الذي اعتاد قراءة الكتب الورقية. خاصة القراء والكتاب من كبار السن ،الذين لهم ذكريات عريقة وحميمة مع الورق ونوع الحرف واناقة تصميم الغلاف وطبيعة الورق ورائحته وشكل الطباعة والتجليد. فثمة عالم له خصوصيته وفرادته وعراقته وتاريخه الطويل لمدى اجيال واجيال ،امضت حياتها منغمسة في دنيا الورق وجمالياته ومذاقه .لهذا ليس من السهولة بمكان تقبل الكتاب الرقمي ،اللهم الا من فئات الشباب المولعين بتطورات عالم الميديا ،وليس لهم ذكريات عميقة مع الكتب الورقية لحداثة تجربتهم طبعا. شخصيا لم احاول قراءة الكتاب الرقمي ولا يتقبله مزاجي مطلقا الى الحد الذي ينتابني شعور بالنفور من الاقتراب منه ،كوني انظر الى الكتاب الورقي بشكله وتجليده وهيئته وورقه وغلافه ورائحته وطباعته وحجمه ،بوصفه كيانا ينبض ويشع بالحياة والجمال والفكر والمتعة ،كيان تربطني به عرى صداقة حميمة .صداقة خاصة لها مكانة عميقة في قلبي .الكتاب الورقي أتأمله بحب كبيرو اعشقه بوصفه اعز صديق. فضلا عن كل هذا يمكنني ان احمله اينما كنت وحللت. واقرأه بطريقتي التي تريحني وانا في السرير او السيارة او حديقة المنزل ،اي أقرأه بالشكل الذي يريح جسدي ومزاجي .على عكس الكتاب الرقمي الذي يتسبب بمشاكل ومتاعب صحية. اضف الى ذلك الكتاب الرقمي خال من الطعم والرائحة ،ويسهم كثيرا في انتشار امراض المفاصل ومشاكل صحية مختلفة. وسيبقى صامدا امام جبروت الكتاب الالكتروني، بدليل اهتمام الدول به من خلال معارض الكتاب التي تنتج سنويا آلاف الكتب الجديدة وتسوقها الى انحاء 
العالم.