قرأتُ قبل أيام استطلاعا متشائما عن السينما المصريّة وأزمتها المستديمة، ناقش فيه المُسْتَطْلِعُ آراءَ صُنّاعها ونُقّادها، الذين اتفقوا جميعا على تراجع يكاد يكون خطيرا في مسيرتها، التي ابتدأت بالتحديد في 20 حزيران عام 1907، بتصوير فيلم صامت قصير، عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى معهد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية، قدمت خلالها أكثر من 4 آلاف فيلم وعشرات من صناع السينما الموهوبين، واثرت بشكل واضح في محيطها المحلي والعربي، حتى صارت جزءا من قوة النظام الناصري الناعمة، إلّا أن مآلها لا يُسر، إذ تراجع انتاجها بشكل تراجيدي حتى وصل الى 20 فيلما، بعد أن كان معدل انتاجها 100 فيلم في السنة، ليس هذا وحسب، انما استولى رجال اعمال ميسورين على التراث البصري المصري، فانتقلت ملكية النسخ "النكتف" لأكثر من 500 فيلم الى حوزة رجل الأعمال الأردني المصري وطليق الممثلة إسعاد يونس وزوج شيرهان فيما بعد، الذي احتكر حقوق استثمارها لـ 99 عاما.
أسباب كثيرة أدت الى هذه النتيجة الكارثية، على الرغم من كون وجود السينما المصرية ليس طارئا على بنية المجتمع المصري، انما هو جزء من حاجة اجتماعية، على العكس من بقية الدول العربية، التي ظلت فيها صناعة السينما تراوح في مكانها، عدا التماعات هنا وأخرى هناك، ومن هذه الأسباب: هروب رأس المال الخليجي والمحلي خوفا من التغيّرات السياسة المتلاحقة التي عصفت بمصر، وتمخّضت عن ثورة شعبية عارمة غير مسبوقة، وعدم تحمّس الحكومات المصرية التي تعاقبت على قيادة هبة النيل للسينما كما هو الحال في السنين الماضية، فضلا عن غروب معظم الروائيين وكتاب السيناريو الكبار، على شاكلة: نجيب محفوظ، الذي كتب اكثر من عشرين سيناريو فيلم ومثلُها أفلاما مقتبسة من رواياته، وإحسان عبد القدوس صاحب عشرات الأفلام الرومانسية، و يوسف السباعي وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس، فضلا عن رحيل "اسطوات" السينما المصرية من فنانين وفنيين، وانحسار صالات العرض التقليدية وانتشار سينمات المول، التي يحرص أصحابها على استيراد الأفلام الأميركية التجارية مضمونة الربح، يضاف الى ذلك فقدان غياب التنسيق بين صنّاع السينما، مثلما يكرر النقاد وأصحاب "الكار" فتحولوا الى محض "جزر متباعدة"، يضاف الى ذلك انتشار وتشظي الشاشات بدءا من الموبايل وانتهاءً بانتشار الشاشات العملاقة في الساحات وعلى واجهات العمارات، ما أدى الى تراجع ارتياد الجمهور لدور السينما، والبقاء في فراشه الأثير يختار الفيلم الذي يناسبه، متنقلا بين أحداثه؛ فتارة يستبقها وأخرى يرجعها الى بداياتها، واحيانا يوقف عرضها، أو حتى يغيّر الفيلم أصلا، وهذا ما لا تتيحه المشاهدة التقليدية، والطريف ان الأفلام التي تكتسح شباك التذاكر وتحقق أعلى الإيرادات، هي تلك التي توصف "بخبطة السبكي" الشهيرة: "راقصة.. بلطجي .. مغنٍّ شعبي وعشوائيات".
ومن وجهة نظري المتواضعة ومعي نقّاد مصريون كثر، فإنّ هذه الصورة المشوّشة ليست نهاية مطاف، فثمّة سينمائيون شباب يعملون بلا هوادة، مقتفين أثر الروّاد الأوائل، مبدعين وليسوا مقلدين.