3 ملاحظات

الصفحة الاخيرة 2019/09/03
...

حسن العاني 
 
1 - يوماً بعد يوم يتراجع فن الغناء العراقي تراجعاً مؤذياً للروح والذائقة، وينذر بتلوث بيئي لا تحمد عواقبه، وبالطبع هناك اكثر من سبب وراء هذه الظاهرة، لعل السبب الاكثر اهمية يتمثل بغياب الدولة من حيث الدعم والنظرة والرقابة. 
في عام يعود الى ستينيات القرن الماضي كما أخبرني الفنان الراحل يوسف العاني، حدث خلاف سياسي حاد بين مصر والعراق، وقد تولت الاذاعة العراقية قراءة تعليق ساخن اساءت فيه الى مصر وهو الامر الذي اغضب عبد الكريم قاسم واستدعى المسؤول عن الاذاعة واخبره ان يتوقف فوراً عن اية كلمة تهاجم مصر، وحين حاول المسؤول الاذاعي الدفاع عن موقفه، وان العراق يرد بالمثل على الاذاعة المصرية، رفض قاسم هذا العذر وقال له بالحرف الواحد (نحن لا نمتلك ام كلثوم وعبد الوهاب حتى نتمكن من مواجهتهم)، عبارة بليغة تنم عن الفهم العالي للغناء.. قبل 60 سنة!!
 
2 - فتحنا عيوننا على الدنيا، كما فتحها اباؤنا من قبل، على خزين من "الحِكَمِ" الرزينة و"الاقوال المأثورة"، ومع اننا نجهل اصحاب هذا الارث او الخزين بنسبة خمسة وتسعين بالمئة او أكثر، الا اننا تعاملنا مع كل تلك الحكم والاقوال وكأنها نزلتْ بكتب سماوية، واخذنا بها كما نأخذ 
بالمُسَلّمات!
واحدة من تلك الموروثات تقول (العقل السليم في الجسم السليم)، ومع إن هذا القول يتضمن دعوة طبية نبيلة للعناية بالجسد والصحة، ولكنه ليس قاعدة ذهبية، فأنا على سبيل المثال افكر منذ بضعة اشهر بشخصية العالم المذهل ستيفن هوكينغ (2018-1942) الذي تعرض الى حالة مرضية صعبة، شلّت جسمه بالكامل، ولكن عقله ظل سليماً، ويعدّ من أفضل علماء العصر، بينما يتمتع عشرون بالمئة من اعضاء الطبقة السياسية في العراق، بأعلى درجات الصحة والعافية، وأدنى درجات العقل والضمير!!
 
3 - من الثابت ان صدام حسين، ابتدع فكرة قيام رئيس الدولة بتكريم من يعتقد انه أتى بعمل متميز او اتخذ موقفاً يستحق عليه الثناء المعنوي او المادي او كليهما، ولكن تكريمات صدام وان كانت معروفة لدى الحكام الاخرين الذين سبقوه ولكنها كانت محدودة جداً ونادرة، وفي الوقت نفسه بسيطة ومتواضعة، في حين تحولت على يد صدام الى ظاهرة جنونية والى بذخ غير قابل للتصديق فقد بلغ المعدل الوسط اليومي قرابة (200) مليون دينار، أي ما يعادل (72) مليار دينار سنوياً تصرف من خزينة الدولة وليس من جيبه الخاص، وقد التحق بهذه الظاهرة الوزراء وكبار المسؤولين، ولكن ما حصل بعد 2003، ان الرؤساء والوزراء وكبار المسؤولين والحكومات المتعاقبة، الغوا هذا التقليد نهائياً، والغريب انهم جميعاً لم يكتفوا بغض النظر عن التكريمات فقط، بل عن كل شيء، بما في ذلك الحرامية والفاسدين!!