منذ ما بعد الإعلان عن تحقيق النصر العسكري على داعش و(دولته) في الموصل نهاية العام 2017 برزت مشكلة كيفية التعامل مع عوائل الدواعش وأبنائهم ، وحتى مع العوائل التي لم تنتم او تتعاون مع داعش وإنما بقيت مكرهة في العيش تحت سيطرته وحكمه ، وذلك فضلاً عن مشكلة السجناء الدواعش ، لاسيما غير العراقيين ومكان محاكمتهم .
السلطات العراقية واجهت هذه المشاكل بحلول كانت تراها مناسبة ، لكنها كثيراً ما تعرضت وتتعرض للتعثر بسبب الفساد المالي والإداري ، وبدورها أهتمت منظمات حقوق الانسان الدولية والمنظمات الانسانية والاجتماعية باوضاع العوائل المهجرة في المخيمات خاصة من المناطق الساخنة بالرعاية الممكنة وبمراقبة ورصد ما يعانونه من مشاكل وظروف معيشية قاسية .
ومن بين المشاكل التي برزت قبل نحو عام هي مشكلة تسجيل أطفال ابناء الدواعش الذين قتلوا او هربوا وبقوا تحت رعاية أمهاتهم . اما مشكلة التسجيل فتتمثل في أصدار كبار المسؤولين في وزارة التربية في ايلول العام 2018 وثيقة او قراراً يقضي بالسماح لأطفال الدواعش التسجيل في المدارس الحكومية حتى لمن لا يمتلك الوثائق المطلوبة لكن مديري معظم المدارس ومجموعات الاغاثة تمنعهم من التسجيل الا بشروط ، الامر الذي دعا منظمة حقوق الانسان الدولية (هيومن رايتس ووتش) الى توجيه الاتهام الى الحكومة العراقية بمسؤوليتها عن ذلك .
وقالت مديرة قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالانابة لمى الفقيه الاربعاء الماضي الموافق 27 آب الماضي : ( ان حرمان الأطفال من حقهم في التعليم بسبب أمر قد يكون أهاليهم ارتكبوه هو شكل مضلل على نحو صارخ من العقاب الجماعي إذ يقوض اي جهود حكومية محتملة لمكافحة الفكر المتطرف عن طريق دفع هؤلاء الاطفال الى هامش المجتمع ..) . وقد استندت المنظمة في موقفها هذا الى عدم تنفيذ قرار الوزارة في ايلول من العام المنصرم والمباشرة بتطبيقه اعتباراً من 1/1/2019 لكن ثلاثة من مديري منسقي برنامج تعليمي في نينوى اصطدموا بإجراءات مدراء المدارس بعرقلة الامر الوزاري واشتراط تعهدا من ذوي الاطفال ، الذي يصعب حصولهم على وثائق ، توفيرها خلال مدة محددة !
هذا الارتباك او التناقض في مواقف السلطات الاتحادية والمحلية من هذه القضية المهمة والحساسة لا تبرر بالتأكيد حرمان الاطفال الذين لا ذنب لهم (ولا تزر وازرة أزر اخرى) بجرائم قد ارتكبها ذووهم سواء كانوا عراقيين او غير عراقيين ، ذلك ان الحكمة والمصلحة الوطنية والامنية العراقية وحتى غير العراقية من الذين سيتضررون من تهميش هؤلاء ودفعهم مرغمين لسلوكات خاطئة وربما اجرامية مستقبلاً ، اذا ما اختاروا الالتحاق بالمنظمات الارهابية .
وخلافاً لذلك ، فإن تسجيل اطفال الدواعش في المدارس الحكومية من دون معرقلات وشروط سوف لن يمكنهم فقط من التعليم ، انما يوفر ايضاً فرصة مهمة لتأهيلهم كمواطنين صالحين لما ستقوم به المدارس بمختلف مراحلها من اعادة تربيتهم وتأهيلهم وفقاً للجهود المفترضة للبرامج الحكومية ولما يقوم به المعلمون والمدرسون من جهود بهذا الاتجاه .
واذا كان من الصواب والحكمة الواعية احتواء هؤلاء الاطفال (بل وكل من يطلق عليهم اسم “ اشبال الخلافة”) وتعليمهم واعادة تأهيلهم ، فإن تركهم وتهميشهم في المجتمع يعني تدمير مستقبلهم من جهة ومواجهة اخطار احتمالات تحولهم لقنابل موقوتة وارهابيين ومجرمين من جهة اخرى ، وبالطبع فإن تعليمهم واعادة تأهيلهم سيؤدي ، كما يفترض ، الى محو واستبعاد الافكار التي كان داعش يغرسها في عقولهم او امام اعينهم كأعمال الكشافة والتجسس والطهي وزراعة العبوات والقنابل واستخدامهم كانتحاريين او مقاتلين في صفوف داعش .
وتقديراً لاهمية تعليم اطفال وعوائل الدواعش في المخيمات وحتى من عاد للسكن في المناطق المحررة من من جهة اخرى ، حذر السيد علي ناصر مدير عام (مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية) التابع لمستشارية الامن الوطني ، من ( المستقبل الغامض لأطفال ونساء داعش القابعين في مخيمات النازحين داخل العراق) وقال ايضاً : ان نهاية داعش عسكرياً لا تعني نهاية افكاره المتطرفة التي قد تترسخ حالياً في عقول الشباب والنساء والاطفال داخل مخيمات النازحين ، والذين قد يشكلون قنابل موقوتة مما يؤكد الحاجة الى رعاية خاصة من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية من خلال القيام بجهود استثنائية لتقديم رعاية وبرامج توعوية فكرية خاصة لتأهيل النازحين ، وهو ما تحرص عليه الحكومة بإعداد البرامج الخاصة لذلك التأهيل .
اخيراً ، ينبغي على المرء ان يتخيل ، لاسيما اولئك الذين يعرقلون تسجيل ابناء الدواعش في المدارس ورعايتهم ، الى اين سيتوجه هؤلاء عند كبرهم وهم مهمشون وأميون ، والتخيل كذلك لأهمية الفرصة السانحة والمهمة لمجيء هؤلاء الاطفال بأنفسهم الى المدارس للتعليم والتأهيل ، في حين ان الواجب والمصلحة الوطنية والأمنية تقتضي البحث عنهم والذهاب اليهم لإرغامهم على التعليم والتأهيل ، ان استطعنا ذلك !