"البصرة أواخر القرن العشرين" تعود للظهور

ثقافة 2018/11/11
...

البصرة /صفاء ذياب
 
أقام التجمّع الثقافي العراقي الحديث بالتعاون مع قصر الثقافة والفنون في مدينة البصرة احتفاءً بصدور كتاب (البصرة أواخر القرن العشرين) وصدر في أحد عشر كتاباً متسلسلاً من العام 1991 وحتى العام 2000، عن طريق الاستنساخ ومن دون أخذ موافقات السلطة الرقابيّة حينها، إذ صدر فيه الكتاب الأخير منها، تحت مسمّى (قصص.. إصدارات جماعة البصرة أواخر القرن العشرين)، وشارك في هذه السلسلة أكثر من 30 قاصّاً بصريّاً حاولوا تقديم قصص جديدة على النصّ القصصي العراقي، من خلال الموضوع والبناء والشكل. الجلسة التي شارك فيها الناقد جميل الشبيبي والقاص محمد خضير، أقيمت مساء يوم الخميس الماضي وحضرها جمهور غفير من المتابعين للموضوع ومن المهتمين بهذه القصص. الشبيبي قدّم ورقة عن تاريخية القصّة العراقية، منذ عقود التأسيس وصولاً إلى الخميسنيات والستينيات، التي عدّها أهمّ مرحلة في تاريخ القصّة العراقية، ومن ثم مرحلة التسعينيات التي أسهمت في طرح أشكال جديدة في هذا الفن الصعب، على حدِّ قوله. وأكّد الشبيبي أن القصّة القصيرة في العراق مثّلت إنجازاً إبداعياً يتخطّى عالم القصّة في البلدان العربية، وخلال مسيرة هذا الإنجاز يكتشف الناقد والمتابع تجارب فنيّة جديدة وآفاقاً واسعة. مبيّناً أنّ وصول هذا المنجز إلى القصّة التسعينية غيّر الكثير من المفاهيم القديمة، فقد أنتج الواقع حينها جيلاً متمرّداً على السلطة، منفلتاً من رقابتها، مستفيداً من تفكّك مؤسساتها وضعف الرقابة. موضحاً أنّ هذه القصص- حالها حال النصوص التي أنتجت في التسعينيات- تتميز بانفتاح أفقها على عالم كابوسي، فنتازي، يميل إلى وصف وقائع وأمكنة وشخوص هلاميين، بهدف الإشارة إلى الواقع المعيش من بعيد على وفق مفهوم أو مصطلح التورية.
القاص محمد خضير قدّم ورقة تحت عنوان (تمظهرات اللغة في تجربة "جماعة البصرة أواخر القرن العشرين") مبيّناً أنّ أهمية هذه الجماعة لا تتجسّد في كينونتها التاريخية والنوعية فحسب، بل لكونها تتميّز بمظاهرها البنائيّة، التي تتمثّل بالبنى اللغويّة. وقد ركّز خضير على نصوص الحلقة الأولى من الجماعة لضخامة المشروع الذي امتدّ لتسع سنوات كاملة. يرى خضير أنّ رؤى القصص الخمس التي ضمّها الإصدار الأول تنبع من معين الذاكرة الشخصيّة لكتّابها، وتجاربهم المتفاوتة في الاقتراب والابتعاد من مركز الحدث الذي تتناوله لغويّاً، فاللغة هي الوسيط الذي يتجلّى عبره أشكال البناء، وشواهد الذاكرة الحيّة (المعذّبة) بما تسكنها من أخيلة وصور وأشخاص. ومن خلال هذا تتمحور الصيغ اللغوية في القصص الخمس حول (الجسد) الإنساني في عزلته الاجتماعية، ومخاضه العنيف في أتون الحرب، وصراعه الاجتماعي ضد القمع والفناء، واحتفاظه بحرارة الذكريات في أعماقه السائلة. وتتضح ثيمة الجسد في قصّة لؤي حمزة عباس (الجثّة)، بأشلائه المحمولة، المكدّسة، وزواياه الحادّة. وهكذا بالنسبة للقصص الأربع الأخرى.
ويشير خضير إلى ثيمة هذه النصوص وتداعيها، ففي محور الثيمة يؤكّد أنّ كُتّاب هذه القصص أسسوا من خلال ما قدّموه لمستقبلهم السردي واللغوي، فحافظ أغلب القصاصين على خطّهم في النصوص التي تلت تلك المجموعات، حتى بعد ابتعاد بعضهم عن هذه الجماعة، لكن هذه النصوص أسست لمستقبلهم في الكتابة الإبداعيّة. في حين بيَّنَ خضير في محور التداعي أن القصص الخمس ورثت تقاليد التداعي الحر للألفاظ والصور من نصوص القصاصين العراقيين الخمسينيين والستينيين، لكنّها ذهبت أبعد من هذا التقليد لتنزع اعترافات شخصياتها.
أما القاص كامل فرعون، فأشار في شهادته، إلى أن المعيار الوحيد الذي كان يربط الجماعة هو العفويّة، ويقصد بها مفاتحة الأصدقاء الراغبين بالانتماء للجماعة ثمّ جمع النصوص وطباعتها. هذا الأسلوب ترك أثره في النظر للعمل بكليته بوصفه عملاً جماعيّاً، لكنّه لم يكتب على وفق تصوّرات ورؤى مشتركة، بل كان لكل كاتب حريته في التناول مما خلق تفاوتاً في النصوص أخفتها النظرة العامة للعمل. ومن ثمَّ، لم تكتف الجماعة بحدود الداخل لضيق مساحات الحرية، فآثرت انفتاح التجربة على الخارج لترسيخها وتطوير آلياتها. ويختم فرعون شهادته قائلاً: خلت التجربة من المراجعة والتقويم للعمل، لكنّها بشكل عام كانت نشاطاً حقّق حضوراً لها كتجربة وللمسهمين 
فيها.