د. محمَّدحسين الرفاعي
[I]
ولكن، تعود إعادة بناء المنهج في السّوسيولوجيا، عند المستوى العام والعالميّ، انطلاقاً من وجهين اثنين للمعرفة السُّوسيولوجيَّة. وجه عامّ وعالمي يتجاوز الشروط المجتمعيَّة البنيوية التي أنتجتها، ووجه خاصّ ومحليٌّ لا يتجاوز تلك الشروط. ففي "الماركسيّة وثنائيّة الخصوصيّة والكونيّة"( أنظر: فؤاد خليل، الماركسيّة في البحث النقدي- الراهنيّة، التّاريخ، النّسق، دار الفارابي، 2010)، يقوم التَّساؤل حول وحدة الوجهين انطلاقاً من التَّساؤل السُّوسيولوجيّ الذي يضع الأصل الواقعيّ للمعرفة، من جهة كون هذا الأصل إنَّما هو تفاعل الذَّوات الفاعلة- المنتجة، دائماً قَبْلِيَّاً، ولا يقوم إلاّ عليه.
[II]
وهكذا، فمع الرؤية الفلسفيَّة التي تعي وحدة الوجهين معاً، من جهة أولى، وتلك التي تعي توفّر إمكان إعادة إنتاج المعرفة، من جهة ثانية، وتلك التي لا تعيد إنتاج المعرفة إلاّ انطلاقاً من التجربة الواقعيَّة، والواقع المجتمعيّ العربيّ [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، من جهة ثالثة، وإعادة إنتاج الخصوصيَّة انطلاقاً من تلك الوحدة، من جهة رابعة، فإنه نستطيع أن نشير إلى أفق فهمٍ يتجاوز السستام المعرفيّ الشائع والسائد في البلدان العربيَّة، متفلّتٍ منه (أنظر: فؤاد خليل، بيار بورديو- نظام متكامل للأفكار والتصوّرات- مجلة كتابات معاصرة عدد /40/ نيسان ايار 2000).
[III]
ولكن بأية معانٍ يقف المفكر في إعادة إنتاج المفهوم، وإعادة فهم الواقع المجتمعيّ [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]؟ وممَّاذا يمكننا أن نستخرج فهماً بشأن إنتاج وإعادة إنتاج المفهوم؟ وكيف يمكن أن ينطلق ذلك من الواقع المجتمعيّ العربيّ، على نحو بحيث هو يتفلّت من السستام المعرفيّ المتحكم بالفكر العربيّ؟
في الحقيقة، يشير المفهوم السُّوسيولوجيّ، وتشير العلاقات التي من شأنه، إلى أمرين اثنين، عند مستوى الفكرة:
I- المضمون النظريّ داخل المفهوم، وداخل العلاقات بين المُكَوِّنات التي تقيم فيه.
II- المنظور النظريّ داخل المفهوم، وداخل العلاقات بين المُكَوِّنات التي تقيم فيه، وبينه وبين المفاهيم الأخرى.
ويتضمن المفهوم، وتتضمّن العلاقات بين المُكَوِّنات التي من شأنه، عند مستوى المعاينة، ثلاثة ضروب من الفهم، في وحدتها:
I- الفهم انطلاقاً من بِنيَة الثقافة، (أنظر: فؤاد خليل، الطائفيّة... كلام آخر: دار الفارابي بيروت 2000).
II- الفهم انطلاقاً من بنيَة الاقتصاد، (أنظر: فؤاد خليل، الإقطاع الشرقيّ بين علاقات الملكيّة ونظام التوزيع- دار المنتخب العربيّ- بيروت 1996).
III- الفهم انطلاقاً من بنيَة السّياسة، (أنظر: فؤاد خليل، العروبة والانتماء القلق: مجلة الطريق عدد /1/ 1998. كذلك أنظر: المشروع الناصريّ مفاهيم في صورة نقديّة – مجلة الطريق عدد /5/ 1995).
وهكذا، فمع الضروب الثلاثة هذه للفهم، في وحدتها، عند مستوى المعاينة، ومع وحدة المضمون والمنظور النظريّ داخل المفهوم الواحد، عند مستوى الفكرة، تُبنى الإشكالات والإشكاليّات السُّوسيولوجيَّة في وحدة العلاقات بين ثلاث بنى مجتمعيَّة أساسيَّة هي بنيَة الثقافة، وبنية الاقتصاد، وبنية السّياسة.
[IV]
تمتلئُ كتابات فؤاد خليل بالدّعوة إلى إعادة فهم النتاج السُّوسيولوجيّ العالميّ انطلاقاً من إمكان بناء الإشكالات والإشكاليّات بالعودة، أوَّلاً وقبل كلِّ شيء، إلى الوعي بثنائيّة [الفكرة- والواقع]، و[الموضوع- والمنهج].
تقع هذه الكتابات، والحال هذه، في لحظة ابستيمولوجيَّة هي تدعو إلى تناول المعرفة العِلميَّة الحديثة، وإمكان توظيفها في فهم الواقع المجتمعيّ العربيّ، بالإنطلاق من منطق فهم يتضمَّنُ ثلاثة مُكَوِّنات، على أقل تقدير، هي الآتية:
I- لا معنى للنقد، ولا معنى للأخذ بالمعرفة العِلميَّة الحديثة، ومفاهيمها ونظريّاتها ومناهجها، من دون الإنطلاق من تحدّيات الواقع الاكاديميّ- والعلميّ- والمجتمعيّ في بلداننا العربيَّة.
II- يكون العلم بالواقع- وبالحاضر- وبالانطلاق منهما، ولا يكون إلاّ كذلك. وعلى هذا النحو، يمكن إنتاج معرفة علميَّة متى حُسم الأمر بشأن مفهوم الواقع المجتمعيّ بوصفه مركزاً لكل التَّساؤلات السُّوسيولوجيَّة الراهنة، حيثما قامت، ومتى ما قامت،
III- لا يمكن تلقّي المعرفة العِلميَّة الحديثة من دون فضح الرداء الايديولوجيّ فيها؛ فإنَّ إنتاج المفهوم، وإعادة إنتاجه، إنَّما هي عمليَّة، يسبقها، أوَّلاً وقبل كل شيء، التّعرف إلى المُكَوِّنات الايديولوجية، في المفهوم
ذاته.