تحولات أسواق الطاقة العالميَّة
اقتصادية
2019/10/21
+A
-A
مصطفى عبدالحسين
عُقدت في أوكسفورد (المملكة المتحدة)، الحلقة الحواريَّة الحادية والأربعون التي تُقام منذ العام 1979، وتُنظم سنوياً بحضور العشرات من الخبراء لمناقشة واقع الطاقة والاقتصاد والسياسة في العالم، والتطرق لآفاق التحولات المُرتقبة خلال العقود المقبلة. ما زالت أهداف هكذا مؤتمر تتسم بثمرة المعرفة المتوخاة من دعوة عدد من المتكلمين (speakers) ومن مختلف التخصصات ومواقع العمل، حكومية وخاصّة، وبمنهج عادل في طرح الأفكار من قبل مجموعتي منتجي النفط ومستهلكيه. ويستهدف المؤتمر تعزيز الملكة الفكريَّة لجمع من المشاركين من ذوي الاختصاصات المختلفة، وبث التصورات المحتملة لعالم السنوات المقبلة بمدياته المتنوعة خلال العرض المكثف لمناهج التفكير السائدة، وتطوير أسلوب اكتساب الحاضرين (participants) للمعرفة بآخر مشاكل الطاقة العالميَّة والموضوعات التي لها صلة، وكذلك تنمية الوعي بالعناصر والقوى الفاعلة في تشكيل صورة بيئة المستقبل الخاص بالاستثمار في المجالات المطلوبة، وكيفيَّة صناعة القرارات المناسبة.
وتناول الحوار، بحث ودراسة جملة موضوعات تُعدُّ عناصر تكوين صناعة الطاقة اليوم بكل مقوماتها التي باتت تجلب انتباه الخبراء، وتدفع صُنّاع القرار الى الإصغاء وإدراك ما يتمخض من لقاء عالمي كهذا في محاولة رسم صورة لمستقبل قادم محفوف بعدم يقين فرضته ظروف التقلبات السعريَّة، وتقديم رؤى وبحوث في مسائل مثل نقل التكنولوجيا والتحول في الطاقة وكفاءتها، ثم وهذا الأهم التركيز على وسائل وتقنيات صديقة للبيئة قدر المستطاع للحفاظ على درجة حرارة مناسبة للكرة الأرضيَّة للعقود المقبلة، وكذلك آفاق صناعة النفط والغاز وتوقعات إنتاج الغاز بوصفه أنظف أنواع الوقود الأحفوري، والدور الذي سيلعبه النفط الصخري (غير التقليدي) في موضوعة التنافس مع غريمه الحالي (التقليدي)، وما ستكون عليه الطاقة المتجددة من حيث تكاليف إنتاجها. لذلك يتجه العالم لدراسة وتدارك واقع وتحديات وآفاق موضوعات بُرّزت خلال تلك الحلقة الحواريَّة وفق التراتب التالي:
* السياق السياسي (The Political Context): ويشمل الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط كشؤون السعوديَّة والعراق وإيران. ثمّ الصين والهند والبرازيل التي دعتها الحلقة بعملاق النفط المُقبل.
* الصناعة والأسواقIndustry & Markets) ): ويخص قطاع الاستخراج النفطي ودور التكنولوجيا في تطويره. وقيود إمدادات النفط (Oil Supply Constraints). والتحديات العالمية الكبرى. والصناعة التكريريَّة في الولايات المتحدة، والتقنيات الجديدة. ثمّ التحديات التي تواجه الصناعة في حقل الهندسة والمُشتريات والإنشاء (EPC).
* الغازGas) ): ويتضمن شؤون الغاز الطبيعي المُسالLNG) ) وتحديات العولمة بالنسبة للغاز في أوروبا.
* إمدادات الطاقةEnergy Supplies) ): ويشمل إمدادات كل من مجموعة الأوبك، وغير الأوبك (Non – OPEC)، والنفط غير التقليدي (Unconventional) وآفاق الطاقة النوويَّة. وتوقعات مستقبل مزيج الطاقة (Energy Mix) والطاقة المُتجددة Renewables)).
* تقلب أسعار النفط والمضاربة (Oil Prices Volatility & Speculation): ويُعنى بديناميات الطلب العالمي (Global Oil Demand Dynamics) ومحركات سعر النفط (Drivers of Oil Prices).
* السياساتPolicies) ): مثل مراجعة سياسات مستهلكي الطاقة كالولايات المتحدة ومجموعة وكالة الطاقة الدولية والصين والهند. والتغير المناخي والبيئةClimate Change & Environment) ) وحوار المنتجين والمستهلكينProducer Consumer Dialogue) ).
* العلاقة بين شركات النفط الوطنية والعالميَّة (Relations between NOCs & IOCs) وذلك من خلال الترتيبات الجديدة في طبيعة العلاقة بين صنفي الشركات تلك.
وشؤون كالتي ورد ذكرها كانت بحاجة الى حوارات مُعمّقة وتفصيليَّة لتوفير قدر من النضج لصياغة توصيات سيأتي الدور على ذكرها لاحقاً.
ولكن قبل ذلك ونتيجة لتنوع الملفات المطروحة على خبراء الطاقة والاقتصاد والتي أثارتها محاضرات وكلمات لها مستوى عالٍ من المَلَكة المعرفيَّة لدى مُقدميها، فقد تمخضت جملة عناوين وتفرعاتها استغرقت جهداً وعصفاً فكرياً لمجاميع عاملة داخل الحلقة الحواريَّة مارست دورها في طرح مشاكل عصر الطاقة القائم، وعلى غرار:
* التحول في الطاقة
Energy Transition
- عدم اليقين (Uncertainty) المصاحب للتحول.
- تغير ديناميَّة الأسواق من خلال ذلك التحول بإبطاء النمو، وتخفيض الأصول(reducing asset value) .
- التحدي الرئيس الذي يواجه منتجي الطاقة الأحفوريَّة fossil fuels)) الذي هو التغير المناخي (Climate Change)، وكيفية دعم المنتجين لفعاليات تخفيف ظاهرة الاحتباس الحراريGlobal Warming) ) دون التأثير السلبي في اقتصادات الدول المتقدمة والنامية معاً، والتي ما زالت تعدُّ الطاقة الأحفورية وخصوصاً النفط العامل الأهم في الاستخدام اليومي.
- التغلب على تحديات الطاقة من خلال تصاعد الطلب وبشكل متسارع على نوعٍ يتجه الى نظام يعتمد على كاربون منخفض (حسب اتفاقية باريس للمناخ Paris Climate Agreement))، لكن في الوقت ذاته تُظهر معطيات الطاقة للعام 2018 زيادة في الطلب مع نمو إشعاع الكربون وبأعلى معدليهما خلال سنوات.
- ومع توقعات زيادة الطلب على الطاقة وكما يبدو وبشكل أولي على المدى البعيد، وتنامي معالجات ظاهرة الاحتباس الحراري تحتاج صناعة الطاقة لتوفير حلول لتقديم المزيد منها، ولكنها نظيفة في الوقت ذاته. لذا، يُصبح التحدي استيعاب مستلزمات المسألتين وبصورةٍ متوازية وعلى نحو مُستدام.
- في الشأن الهيدروكربوني، تكاد سلسلة الطاقة تقتصر كالمعتاد على القطاعات الثلاثة فيها (:Upstream، Midstream) و(Downstream) بيد أنّ التوجه العالمي السائد يسعى نحو مزيدٍ من مصادر الطاقة التي لا تضر بالبيئة، ما يتطلب رؤية بديلة ( (Alternative Outlook من أجل زيادة مضطردة في مزيج الطاقة nergy Mix)) بما يتسق وسلامة مستقبل الكوكب، وذلك هو الشرط الأهم. وبمعنى تلبية الطلب المتصاعد ولكن وفق مبدأ إزالة الكربون من صناعة النفط والغاز، وتقليل الأثر البيئي السيئ قدر المستطاع وتنويع المصادر الطبيعيَّة وعدم اقتصارها على الجانب الأحفوري فقط.
- هناك تغيرات واضحة في بيئة أعمال الاستكشاف والإنتاجE & P)) عالمياً، وبشكل غير مسبوق والجارية للتوافق مع الحاجات والقيم الاجتماعية التي تبدلت هي الأخرى. ويبقى التحدي شاخصاً بشأن إمكانية بيئة العمل تلك تقديم مزيدٍ من التطور لتلبية حاجات الطلب المتزايد، وبالمقابل الاتساق مع متطلبات وتبعات التغير المناخي.
- مع التوقعات بعدم اليقين حول الطلب على النفط والغاز، فإنّ التحدي الكبير يكمن في بناء بيئة أعمال لطاقة مستدامة ذات أبعاد جديدة (الطاقة المتجددة (Renewable Energy)، الهيدروجين، الوقود الحيوي ( Bio Fuel الخ)، والتحول التدريجي من البيئة الحالية - التي أثبتت نجاحاتها لعشرات السنوات في بناء صناعة هيدروكربونيَّة رصينة بغض النظر عن آثارها البيئيَّة السيئة – الى بيئة أخرى رغم الأثر السلبي المتوقع الذي ستتركه أساليب العمل القديمة ومقاومتها لتغيير هذا النمط.
- الحاجة لاستبدال العقليَّة السائدة في إدارة قطاع الطاقة تقتضي هي الأخرى نقلة نوعية في الصياغة القديمة لتلك العقلية كي يُمكننا صناعة واقع مزدهر لمثل هذا النموذج (Paradigm) الجديد من بيئة الأعمال.
* التصورات السلبيَّة للصناعة
(Negative Perceptions of the Industry)
- تفاقم وجهة النظر السلبيَّة من قبل الرأي العام حول مفهوم الطاقة، وبالأخص في مجال شركات النفط والغاز.
- أهمية الوعي بالدور الذي تضطلع به الحكومات كي يمكنها الانخراط في المحاورات المهمّة الجارية عبر المعمورة لوضع سياسات واضحة حول موضوعة التغير المناخي للتوافق مع ما أوصت به اتفاقية باريس بشأن خفض درجة حرارة الأرض، وكذلك إمداد الطاقة لأولئك الذين ما زالوا في حاجة ماسّة لها.
- سوء الفهم، وقلة الوعي بالأسباب والنتائج المترتبة على ظاهرتي الاحتباس الحراري والحرب التجارية المتصاعدة (خصوصاً بين الولايات المتحدة والصين)، لأحد أسبابه المتعلق بفقدان النهج متعدد الجوانب لاستيعاب المسائل ذات الصلة، ثمّ النتائج الوخيمة المتوقعة لمستقبل صناعة النفط والغاز، واحتمالات تقويضها.
* استخدام التقنيات الجديدة
:(Use of New Technologies)
- لقد إزداد في الآونةِ الأخيرة استخدام الأتمتة (Automation) والأنظمة الذكيةIntelligent Systems) ) في صناعة الطاقة مع الثورة في قطاع الحاسوب، إضافة الى التوسع الهائل في فعالية وكفاءة التحسن الكبير في الأنظمة الذكية. ورغم أنّ هذا يسهم في دعم الإنتاجية (Productivity) في مجالات محددة إلاّ أنّ ثمة عيبين يؤثران عالمياً هما؛ أولهما الاعتماد الزائد للاحترافيين (Professionals) على هكذا نظام، ما يولد قدراً من اللبس في تمييز الجوانب المنطقيَّة التي يمكن الوصول إليها في مختلف الاستنتاجات وتجاهلها بسبب تلك الاعتماديَّة. وثانيهما أنّ المتخرجين الجدد في المدارس والكليات والمعاهد من ذوي المهارات في ميدان الأتمتة لا يمتلكون قدرات الأجيال ذات الخبرة المتراكمة التي كانت تميل الى التعامل مع المهارات التقليدية (hand-on type of work) السابقة على التزام النظام الجديد.
- استمرار صناعة النفط والغاز بنهجها التقليدي (Traditional Approach) وبطء تأقلمها مع عالم الأتمتة المتغير.
- المخاطر الممكنة خلف احتمال الاعتماد المتزايد على الفضاء الألكتروني Cyber Space لخزن كميات وأعداد هائلة من المعلومات الرقميَّة في حالة الهجمات الإلكترونية من خلال قراصنة المعلومات من ذوي القدرات الهائلة لدخول ذلك الفضاء، والتسبب في تسريب ملايين المعلومات وخسارة المليارات من الأموال.
* بناء المواهب والمحافظة عليها
( (Building and Retaining of Talent
- الحاجة لجذب الطاقات الشابَّة من جميع المهن والخلفيات العلمية المنتمية لقطاع الطاقة، ولا بدَّ من الإشارة الى واقع الأجواء السياسيَّة والمناقشات الإعلاميَّة والعمل بجد للبقاء على صلة بالمستقبل. ولكن في حالة الإخفاق في تحقيق ذلك، وتكون القدرة على جذب تلك المواهب ليست بالقدر الكافي فالعواقب انخفاض احتمالات النجاح وتطوير المؤسسة.
- ومن الواجب الحديث بشأنه أيضاً تفهم أنَّ تحقيق متطلبات الفقرة آنفة الذكر سيؤدي الى إدامة عمل الصناعة وعلى المنظور بعيد المدى.
- إجراء التحديث المؤسسي والبقاء على تواصل، وبقدرة تنافسيَّة للمؤسسة وبالوتيرة الكافية في المجالين المحلي والعالمي.
- تُعدُّ الصناعة النفطيَّة على وجه التحديد واحدةً من البيئات التي تكافح وتنافس بعزم في كسب موضوع المواهب، وذلك في عالمٍ يجد فيه الشباب ممانعة من الانضمام والانخراط فيه لأسباب تتعلق بمسألة بلوغ أهداف المناخ التي يجري التأكيد عليها بسبب العمليات النفطيَّة وتبعاتها البيئيَّة. ويؤثر هذا - بالقطع – في الخطط بعيدة المدى لتطوير القطاع، لكنه يُعدُّ مفتاحاً للمعالجة على المدى الأقصر.
- لأسباب سبق عرضها تتعلق بالتقنيات الجديدة والبيئة الرقميَّة المتنامية، تحتاج الصناعة الى تدريب وتعزيز مهارات مواردها البشريَّة، وتعيين كفاءات شابة جديدة. وهذا يصطدم بواقع تذبذبVolatility) ) أسعار النفط والتركيز على التكاليف، ما ساق الى تقليل فرص التعيين. وسيُفضي الى تواجد قوى عاملة متقدمة في سنها، وفرص محدودة لقبول المتخرجين الجدد.
- لهذا حاولت الشركات العالمية إيجاد وتنمية نطاق جديد لمصاحبة التحول نحو المهارات الرقميَّة بتضمينها مواردها البشريَّة لعلماء مرموقين في التعامل مع المعطيات الرقميَّة ونظمها المتطورة لضمان تدوير ما يتوفر لديها من قوى عاملة نحو مواقع العصر الرقمي.
- تناقش الشركات العالمية وبشكل جاد ما يُدعى بـ (الرفاهية الذهنيَّة أو العقلية Mental Wellbeing)) الواجب توفيرها للعاملين في غمرة الإجهاد المصاحب للطلب على العمل والالتزام الشخصي بالمعايير الصارمة التي تضعها الشركات لبيئات عملها، وبشكل مُثير للقلق وصل بالشركات الى إدراك أنّ رفاهية موظفيها تكاد تصل الى أدنى مستوياتها، مهما قيل عن فرص الإمتاع التي يتحدث عنها البعض في بيئات العمل.
*مستشار سابق لدى وكالة الطاقة الدوليَّة