الأنثى ماء أخضر
ثقافة
2019/11/01
+A
-A
ناجح المعموري
التفاحة في يدك يا آدم
واللعنة في عينيك يا إبليس
هاتها من يـــــــــــــــــــدك
هاتها من عينيـــــــــــــــك
ودع لخديعة ترقد في سلام / ص5
وسعت الشاعرة لاقتراح أسطورتها الجديدة / المعاصرة باستعادة التفاحة من الأسطورة الأولى ، وهذا يعني التمرد على ما كان بدئياً ولم تكن الشاعرة طرفاً بما حصل من خطيئة ، لذا طالبت آدم بإعادة التفاحة ، لكنها الرمزية وليست اليانبيعية وهذا حلم / وهوس ، لأن الأسطورة تشكلت وصاغها الطرفان وظلت حتى هذه اللحظة مروية وفعل متجدد من خلال الاستدعاء في كل مشاهد حضور الأنثى ، ويبدو لي حلم الأنثى عصياً والبراءة من الأنثى الأولى صعباً للغاية والأكثر عمقاً في أسطورة الخطيئة هو تكررها وعودها الأبدي ، ونص ( خطيئة آدم ) شكل من أشكال العود الأبدي ، المستعاد تزامناً مع المرأة الغائبة والحاضرة ، المرأة التي خسرت الثقة وظلت مطاردة بإبليس الذي يكون حيثما كانت الأنثى وكأنه حاز على خصائص وقدرات الأفعى المغوية ، فخسرت الأنثى حضورها مع الآخر / المشترك ، لأن إبليس سيكون معها بسلطته وقدرته على بلبلة الأنثى وتحفيزها للحنين نحو التكرر ، وكأنها ستظل محكومة بالسقوط النمطي المكرس بالثقافة الذكورية ولم تنبه الأنثى لذلك ، كي تحرر نفسها ، وهذا التكريس واضح في هذه الخطيئة التي جاءت عليها الشاعرة نجاة عبد الله ، وكأنها تعلن اتفاقاً مع ثقافة الذكر وأساطيره الأولى ، ولا أدري سبب هذه الحماسة الأنثوية في التأكيد على البدئي وتعاملت معه قياساً ثابتاً ، وتلك واحدة من غفلات المرأة ، حتى المثقفة ، وتخلص الرجل / آدم من الفعل الأول وصار فعلاً كيدياً
للمرأة .
وستظل ثقافياً مطرودة من الاشتراك مع الآخر ، لأنها مثيرة للريبة والشك والحذر من انفلات الغواية مرة أخرى وهذا ما أكدته المرويات والخرافات والأساطير والأمثال ، قالت به السرديات كلها وهذا ما جعل الأنثى ورقة مفتوحة / بيضاء – كما قال د . عبد الله الغذامي – فإن هذا الجسد صار قابلاً لأن يكتب عليه الشيء ونقيضه ، وأضاف الغذامي : الجسد المؤنث لا يظهر في موقع عام إلا ويكون بمثابة كتاب مفتوح جاهز للقراءة ، ويبدو أن هذه مسألة تم الاتفاق عليها فالمرأة تبذل قصارى جهدها لتقديم جسدها على [ أجمل ] صورة وهذا الجمال ليس الجمال الطبيعي الفطري بل هو الجمال الثقافي الذي اصطنعته الثقافة بمواصفات خاصة ونعوت متواطأ عليها وجرى تثبيتها في المصطلح الاجتماعي والبلاغي / د . عبد الله محمد الغذامي / ثقافة الوهم / مقاربات حول المرأة والجسد واللغة / المركز الثقافي العربي / بيروت / 1998 / ص72 / وينفتح هذا النص على معاكسات لأحلام الأنثى
، فهي اعترفت بما حصل وأعلنت بأنها مكتوب عليها مثل صفحة بيضاء كما قال الغذامي ، وهي مفتوحة وباقية حتى الأبد سطحاً أبيض لمدونات الذكورة
، من هنا كانت الأنثى في التاريخ وسردياته واللغة قيمة ثانوية ، مطعون بها ولا بد من الحذر منها ، وأرادت الشاعرة الكبيرة التكفير عن الخطيئة الأولى وطالبت باستعادة التفاحة من يد آدم وعيني إبليس،وهي كما أعلنت خجلا / مثل شجرة تخشى تفاحها وخطاياها ، أي بمعنى مازالت هي مستهدفة ، ومعرضة للانتهاك الراضية به ، والقراءة النفسية لهذا النص تعلن بأن الأنثى في نص ( خطيئة أدم ) خسرت كل شيء وتلاشت أحلامها ، ولم يبق لها غير حلم تحاول منه إقناع نفسها ، بأنها كانت في يوم ما مشتهاة ، وتفاحها قد عرضها لأن تتسمع منه /الآخر كلمات غارقة بالسؤال ، الشاعرة واضحة / صريحة / لأنها أعلنت رحيل أول الشموس وهرم آخر الأوراق وانتهى كل شيء وهنا تلوح لنا صدمة الخيبة مرة أخرى ، فشل الطاقة الروحية ، المحفزة لجسد الأنثى من خلال قوة الميتافيزيقيا التي تتضاءل بوضوح تام في قصائد هذا الديوان .
أعوذ بصمتــــك
هائـــــــــــــــلاً
كما الخطيئـة
خائنـــــــــــــاً
كما التفاحة
مرتديــــــــاً
أرضـــــــــك
تدهشها الحياة / ص9
هنا التضاد وانفلات الموقف الثقافي الذي وقعت به الشاعرة ، فبعد كل الذي حصل منحته القداسة متعالية وتعوذ بصمته كبيراً ، كما الخطيئة التي لن تنساها عندما سقطت التفاحة بيد آدم وتبدّياته الأرضية .
خلف النافذة يضحك إبليس
هبني أرضاً لا أفرح فيها / ص10
هي النافذة المؤنثة ، بعدما كانت في قصيدة كلام مذكراً – الشباك – والتأنيث إرضاء لحافز غائب ، لكنه في لحظة يعلن يقظته وعربدته ، ولأن الشاعرة أنثت المكان – عين رمزية – اقترن بها إبليس لأن حضوره مقترن بها ، والأرض التي لا يفرح بها هي الجسد ، وتعاود الشاعرة ثانية العلاقة مع نظيرتها الشجرة وتندغم بها :
الشجرة نائمـــــة
تهمّ بالعزلة والليل
الثقافة التــــــــــــي
دنوت من فمهـــــا
تستحي من الريح / ص11
شجرة الخطيئة حية، لكنها متعبة ، فأخذت قسطاً من راحة غير محددة ، ومحكومة بوقت معين ، فنامت ، لأنها منشغلة بعزلتها وضغط الليل المرتبط طقسياً مع الاتصال الادخالي منذ بداية الحضارة في العراق وبلدان الشرق التي عرفت طقوس الزواج الإلهي المقدس التي كثيراً ما تقام ليلاً . ولذا صعد المخاطب في صوت الأنثى / الراوية لتؤكد على ارتباط الاتصال والليل . حيث كانت التفاحة نائمة ، معلقة على شجرتها وعندما دنا من التفاحة / الأنثى وحاولها كانت الأنثى خجلة من الريح وعصفها ، أنه أمر مفضوح ، محاولة للتفاؤل وافتضاض التفاحة واغتصابها ، حيث الذكورة معربدة ومشتهية ، فالريح في الأسطورة والتحليل النفسي هي رمز دال على الفحولة ، وبعض من الريح لواقح كما قال د . محمد عجينة . لذا يشف هذا المقطع عن اتصال إدخالي تبدّت فيه وعليه صفات الفحولة والذكورة الطاغية واستجابت لها الأنثى / التفاحة التي كانت نائمة مع شجرتها . وتأكيد الشاعرة على الشجرة ، ومثلما قرأنا ذلك في النصوص الإيقونية التي تحدثنا عنها – هي النظير الرمزي للمرأة وهي هكذا منذ الأزل كما قلنا وأكدته الشاعرة في هذا النص – خطيئة آدم – وتبدّى لي هذا المقطع بأن الرغبة لدى الأنثى سابتة ، بينما عند الرجل مستيقظة ، وسباتها لا يعني الرفض .
تنحرف الشاعرة بقوة عن الشجرة وتشحنها بمعنى جديد ، له ارتباط مع عقائد وطقوس عرفتها كل من الشعوب العربية / اليزيدية .... وكانت لكل منها شجرة ، تعلق عليها قطع قماش ملونة وتربط بغصن من أغصانها طلباً للأماني والأحلام والشخص المخاطب لم يفعل ذلك بل أعلن عن الأخطاء الكثيرة التي اقترفها متجاورة مع الأزمة .
بعباءتها البيضاء
تهبط كالأخطاء
آلامك المعلقة على الشجرة / ص12
وتنوع الشاعرة أشجارها ، ومنها شجرة ثمارها آدميون / يسعلون / ويرمونك / من فوق خطيئتهم / ص13 لكن شجرة النوح في قصائد قصيرة أكثر تصويتاً عن الموضوعي بواسطة الشعري ، حيث البلاد المخربة التي طاف بها الغرباء وقتل الأبناء بعضهم ، حتى صارت شجرة الخير والحياة والمحبة ، شجرة نواح وبكائيات على الذين غابوا
لما تزل شجرة النوح
أقطف دفعة منها
تثمر ميتاً في البلاد / ص59
إذا كان الكلام نصاً توزع على إيقونات ، فإنه صاعد من بؤرة أولى كشف عنها الديوان . وطاقة الدلالة فيه غير مستنفدة في تجربة الشاعرة نجاة عبد الله ، لذا عاودت الاشتغال عليه .
تميز وجود الكلام في ديوانها بأحادية معنى ولم تتسع مساحته ووجدت أحياناً أنه يتحول بديلاً للزهور ، والصورة المحتضنة له باهتة وغائمة .
أول الكلام
كنت هدفاً للمرايا
لماذا رميت لحجارة فيك / ص41
نسيت كل الفـــــراء
وأنا ملك المبقعة بالكلام
وأنت تدّس الضوء
بين الأزهار وفوق الأراجيح / ص77
الكلام صوت الراوي وضميره المعبر عنه ، ولكن ما فائدة كلام متراكم يغالبه الزمن ، وينقصه توفر فم حي لإطلاقه ، حتى يسمعه الآخر المعروف غير المنطوق به ورم في الذاكرة وتعطل في وظيفة اللسان كي يقوله دفعة واحدة .
يحترق صمتك
مطــــــــــــــر
هذا الكلام المحتشد
في فمك الميت ،
علّك ترانـــــي
تفاحة تصهل خلفي / ص7
اهتمت الشاعرة بوضوح باليومي ووقائعه المعروفة والشائعة بين الناس وتبدّت بعض نصوصها في ديوان ( حين عبث الطيف بالطين ) لا بل أكثرها قريبة من المتلقي ، وشاعت فيها أزمات الأنثى وفشل علاقاتها ، الأنثى المنظور له لمثل تفاحة
فقط .
لكني وجدت بأن نص الأول ( كلام ) المنشور في موقع ورق لصحيفة المدى يوم 18 تشرين أول 2009 أكثر نضجاً واكتمالاً في توفر سرديات الشعرية التي حققت ما يمكن أن أسميه بالتصادم بين الدلالات وسيادة المخفي في الإيقونات الصغيرة جداً . ولا بد من ملاحظة ضرورته وهي إن صوت الأنثى ما زال غائباً ، وظل مثلما هو معروف لنا خاضعاً للآخر ووقع تحت هيمنة الثقافة الذكورية . ونفترض بالمرأة ، التي تمارس نوعاً من أنواع الأدب أن تتغاير تماماً عن صوت الذكورة وخطابها الثقافي وأن تمثل عبر نصوصها صوت النوع وألا تسرقها المرويات والأساطير المرتبطة بها ، وتعيد إنتاجها بآلية قديمة ورؤية غير
مختلفة .