هل من تقدم أخلاقي؟

آراء 2018/11/17
...

نصير فليح
قبل ايام "احتفل العالم" بالذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الاولى، اقيم الاحتفال في باريس حضره ما يقارب السبعين زعيماً من زعماء العالم، وكان من بينهم طبعاً زعماء الدول الرئيسة التي شاركت في تلك الحرب، واودت بحياة ما يزيد عن عشرين مليون انسان. بالطبع الكلمات المختلفة اكدت اهمية السلام في العالم واقامة دعائمه والدروس والعبر التي يتوجب استخلاصها من المآسي السابقة التي مرت بها البشرية. ولنا الحق ايضا ان نطرح السؤال نفسه من زاوية اخرى: هل ثمة تقدم اخلاقي فعلي يا "قادة العالم"؟ وهل تعنون فعلاً ما تقولون؟
الدلائل العديدة في عالمنا المعاصر تشير الى الاجابة بالنفي. فالحرب الحالية التي تجري في اليمن، وغض النظر المفضوح عن المآسي الانسانية فيها التي تطول حياة مئات الآلاف والملايين سواء من خطر الحرب نفسها او خطر الامراض والجوع المرافق لها، ليست سوى دليل واحد على ذلك. كما ان الإرهاب بنسخته الداعشية وما سبقها وما اعقبها، بكل ممارساته البربرية التي كان بلدنا من اكثر المتضررين منها، واستخدام هذا الإرهاب كوسيلة في تحقيق مآرب سياسية متى ما كان بعيداً عن حدود الدول الكبرى، وملء العالم ضجيجاً وصراخاً متى ما كان في عقر دارها، إلا دليل آخر، من بين ادلة كثيرة.
اما الاصوات او الاعتراضات الخجولة التي تظهر بين فترة واخرى بخصوص ضرورة انهاء الحروب والصراعات في هذا المكان او ذاك، فواضح انها لا تقترن بافعال قوية لتحقيق تلك الغايات، وبالتالي فانها مكرسة لاغراض الاستهلاك السياسي الداخلي والخارجي بالدرجة الاولى، ومحاولات الحفاظ على "وجه انساني" امام الاخرين، عسى ان يخفي شيئاً من الوجه الحقيقي الذي يقبع خلفه.
بعد خمسة وعشرين عاماً من بدء الحرب العالمية الاولى، اندلعت الحرب العالمية الثانية، والتي كانت اكثر دماراً بكثير من سابقتها. بعد تلك الحرب دخلت اوروبا الى يومنا نوعاً من السلام النسبي، ربما لم تكن فيه من حرب مهمة فيها (اذا استثنينا الحرب الباردة) سوى الحروب في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي. اما الحروب الرئيسة الأخرى التي جرت بعد الحرب العالمية الثانية، فتشير الى ان ساحة العمليات المباشرة انتقلت من أرض اوروبا الى مواجهات بالوكالة، او صراعات اقليمية تتم تغذيتها لاغراض سياسية او عسكرية. ولعل ظهور اسلحة الدمار الشامل كان العامل الاساسي في ابتعاد الحروب الكبرى عن ارض اوروبا، بسبب الخشية من النتائج المروعة التي قد تشمل كل الاطراف في حرب من هذا النوع. 
ان سلوك الدول الكبرى لايزال مرتهناً بالدرجة الاولى بالمصالح السياسية والاقتصادية، ومن اهمها مبيعات الاسلحة. اما التقدم الاخلاقي الحقيقي فيما يتعلق بمسألة الحرب والسلام، فلا يزال بعيداً عن التحقق. ولعل ما قاله الامين العام للامم المتحدة في كلمته في الاحتفال الاخير، من ان الوضع حالياً يشبه الوضع قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى، فيه الكثير من الصواب، ويثير الاسئلة الحقيقية ايضاً بخصوص التقدم الاخلاقي للبشرية في موضوع الحرب والسلام.