الكتابة معبرٌ نحو الضّفاف المشرقة

آراء 2018/11/17
...

ترجمة : عدوية الهلالي 
 هو روائي وشاعر ورسّام، طاهر بن جلون، الفرنسي – المغربي الذي يمثل حلقة وصل بين المغرب وفرنسا والذي حاز على جائزة غونكور الادبيّة عن روايته (ليلة القدر)، وتندد رواياته بالعنف والعنصرية، حلَّ ضيفا على مجلة الاكسبريس الفرنسية لتحاوره عن أسلوبه في الكتابة وآخر أعماله ..
ولد طاهر بن جلون في كانون الثاني من عام 1947 ، في مدينة فاس المغربية، وبعد التحاقه بمدرسة ابتدائية عربية – فرنسية، درس في مدرسة طنجة الفرنسية الثانوية حتى بلغ الثامنة عشرة من عمره، ثمّ درس الفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط حيث كتب أول قصائده والتي جمعها في مجموعة شعرية حملت عنوان (رجال تحت كفن الصمت) عام 1971 ، ثمّ قام بتدريس الفلسفة في المغرب لكنّه اضطر الى مغادرتها الى فرنسا بعد أن تمّ تعريب التدريس، وفي باريس واصل دراسته في علم النفس .. كما بدأ بكتابة مقالات عديدة لصحيفة اللوموند الفرنسيّة، وفي عام 1975، حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي، واستفاد من تجربته كمعالج نفسي في كتاباته فيما بعد وخاصة رواية (أقصى درجات العزلة) في عام 1976، ثمّ رواية (طفل الرمال) في عام 1985 التي حققت له شهرة واسعة.. وفي عام 1987، حاز على جائزة غونكور للأدب عن روايته (ليلة القدر) وهي تكملة لرواية (طفل الرمال)، كما تمّ ترشيحه ليكون عضوا في الاكاديمية الفرنسية، ثمّ انتخب ليكون عضوا في أكاديمية غونكور وليحلّ محلّ فرانسوا نوريسييه .. في حوارها معه، سألته صحيفة الاكسبريس.
* هل يعتمد أسلوبك الساحر الذي يتغذّى على حكايات ألف ليلة وليلة في سرده القصصي على مسألة (السلف) ؟.
 
- يعتمد أسلوبي دائما على القصّة التي أرويها فموضوعها هو الذي يفرض طبيعة الأسلوب كما تلاحق فرشاة الرسم ملامح الوجوه .. وأنا ككاتب وراوٍ، اعتدت أن أسمح لنفسي بالحرية في الكتابة، من دون استخدام نبرة شفوية، اذ يبقى أسلوبي مرنا، وعلى مقربة من الخيال ومن تقاليد رواية القصص في حياتي اليوميّة، فأنا اعشق رواية القصص كما أفعل مع اطفالي..
 
* بعض كتبك مخصصة للأطفال، مثل (العنصرية كما أشرحها لأبنتي) أو (الارهاب، كما أشرحه لأولادي)، كيف يمكنك ان تخاطب الصغار؟.
 
- لكي أشرح موضوعا راهنا وساخنا لأطفال او مراهقين، أحتاج الى أسلوب صارم وبأكثر فعالية ممكنة بهدف تمرير المعلومات بوضوح، فأنا لاأكتب بحثا وأقوم بتدريسه بل اضطر لاستخدام المفتاح الذي يتعامل مع أصغر القرّاء.
 
* هل تكتب لأجل العمل أم التفاعل مع المجتمع؟.
 
- البعض يكتب لإزجاء الوقت، أمّا أنا فلديّ طموح قديم بأن أكون شاهدا على عصري من خلال الكتابة، فأنا لاأقدم أدبا حرا بل أحاول أن اجعله يعبّر عن معنى واضح ويتحدّث عن حقائق دقيقة وواقع ثابت وقريب من الحياة .. فعلى سبيل المثال، قدمت رواية (السعادة الزوجيّة) وهي ملحمة واقعية تمتدّ لثلاثة أجيال مابين داكار وفاس وطنجة، وتروي قصّة حبّ كما تدين العنصريّة في المغرب في الوقت ذاته، فهي تعكس حالة مؤلمة ورهيبة لأنّ العنصريّة ليست استثناءً وهي في كلّ
 مكان ..
 
* تقول بأنّك كنت تحرص على ارتياد السينما في صغرك، هل أثرت السينما في أسلوبك؟.
 
- لعبت السينما دورا كبيرا في حياتي وكتاباتي وخيالي، لقد تعلّمت الكتابة اثناء مشاهدة الافلام، كنت متأثرا بأسلوب جون فورد وهوارد هوكس او فريتز لانغ في طريقة رواية القصّة، كما شاهدت (المواطن كين) لاورسون ويلز لأكثر من مرة، .. اولئك المخرجون اخترقوا حياتي ورواياتي مدينة لهم بالكثير ..
 
* اللوحة أيضا مهمة في حياتك؟، كيف يمكنك أن تكون كاتبا ورسّاما في الوقت ذاته؟.
 
- في رواياتي أو لوحاتي، أحاول التعبير شعريا بطريقة أنيقة، ولكن هناك فرق أيضا؛ لأنّ الرسم يشبه الاحتفال فهو يضعني في حالة من البهجة والنشوة، وأنا ارسم لمحاولة التقاط نور العالم.. أمّا الكتابة فهي أشبه بالعبور من الضفة المؤلمة الى الضفة المشرقة، واحيانا يتقاطع الاثنان ويحدث اللقاء بينهما فيمكن وقتها أن أرى الشعر منقوشا على لوحة الرسم .. أنا اعتقد أنّ الجمال وحده هو ماسينقذ عالمنا.
 
* أي أسلوب في الكتابة يلامس روحك أكثر ككاتب؟.
 
- يعجبني أدباء أميركا اللاتينية؛ فلديهم هذا السحر الرائع الذي حاولت البحث عنه في المغرب ومنهم غارسيا ماركيز وفارغاس يوسا وكالوس فوينتس واوكتافيو باز وبورخيس الراوي الاستثنائي الذي يجب أن نعيد قراءة أعماله باستمرار.
 
* هل تشكّل روايتك الأخيرة (العقاب) تصفية حساب مع الماضي الاليم باعتبار أنّها فصلٌ من سيرتك الذاتية؟.
 
- هي سيرة اعتقال وسلب للحرية في سنوات الرصاص في المغرب، لكنّها أيضا سيرة روح المقاومة التي إن فقدها المرء داسته أقدام البطش، وسيرة الوجه العبثي للقمع الذي يفضح جانبا مظلما ووحشيا من طبيعة الكائن البشري، كما أنّها سيرة الحب أيضا، ذلك الضوء الذي يسعف الضحية على تحمّل عدوانا وظلما بلا ضفاف، كما أنّها سيرة الحرية التي يعلو سهمُها كلما غابت في ظلمات القيد وبين جدران الغرف المغلقة.