رعد مطشر

ثقافة 2018/11/17
...

حميد المختار    
أمامي الان ديوان الشاعر الشهيد رعد مطشر (أتقاطر مرجاناً لغرقاتي) لم يلحق أن يراه مطبوعاً ضمن مطبوعات دار الشؤون الثقافية، لذا كان اهداء الديوان بخط زوجته المفجوعة به، لم يكن يعتقد ولو للحظة واحدة انه سيواجه الموقف الدموي الذي واجهه وأرداه قتيلاً حتى انه صار يتقاطر دماً بلون المرجان لقتلاه الذين سبقوه والذين رحلوا بعده، رعد مطشر شاعر من كركوك بطعم الجنوب والحب والحلم والسفر والطيبة المتناهية، يأتي الى بغداد ليسأل عنّي نلتقي ونخرج، يحبّ المرح والضحك والكيف، ويكتب الشعر بنفسه الحداثي الذي غادر التقليدية منذ زمن طويل، تفاجأت حين عثرت على قصيدة أهداها لي مؤخراً بسنة 1995 ( الى المختار حميد، كنّا كلّ مساء نتسلّل الى أنفسنا / نربكها بالنجوم / وحين نعود نرى السماء مأهولة بالرايات / ربما تسامت رؤوسنا / وحين نتسلّل الى ارتباكنا نرى : ملل المتاهة ملاكاً .... ) الى آخر القصيدة، ديوانه (أتقاطرُ مرجاناً لغرقاتي) سجل حافل بتاريخ حياته حبّه وزواجه ونساء العائلة والاصدقاء وحتى تنبؤات الموت الفاجع رسمها رعد بحرفية عالية وبتوقّع غريب وهو يكتب كلّ ذلك في تسعينيات القرن الماضي والنظام المقبور مازال قابعاً على الافئدة والنفوس وهو يرسم المصائر ويحتكم لآلهة الشعر والابداع بلا كلل او ملل رغم أنّه يقول:- لاتقلق فالذبح واحد) لكنّه يواصل استعاراته لمباهج الحياة يستلّها استلالاً ويصنع منها يوتوبيا الجمال الشعري المحض رغم الختامات والنهايات المتوقعة القادمة بسرعة البرق { آتى كالنمل من برقٍ على الحائط / على أكتافه موتى / واسمنت الحصى الساقط }، ثمّ يعود يختم { ختاماً يامخاض العمر والصمت / ختاماً ياجدار الخوف في الارض/ سلاماً ياختام الأرض في الشعر} لكن رعد مطشر وعمره الجميل القصير لم يضعف أمام محنة او يهرب من كارثة، بل كان هو المعبر الى بر الامان بحيث ان الكثير من الاصدقاء كانوا يستنجدون به للهروب من العراق عن طريق كردستان؛ لأنّ له من المعارف والاصدقاء الكثير، فاستثمر هذه الصداقات ليساعد بها الاصدقاء الهاربين من جحيم النظام الذي لا يطاق، لكن من استطاع ان ينجد رعد ومن الذي هرع الى مساعدته وهو في محنته الأخيرة حين وقع في قبضة عصابة الارهاب وهو في الطريق بين بغداد وكركوك، كانت كلّ الجهات مغلقة امام عينيه اللتين رأتا في تلك اللحظات مالم تره عين زرقاء اليمامة، وحين استشهد ساقطاً على الارض طارت حماماته الى السماء البعيدة وهي تحمل قصائد المرجان التي صاغها من جمال روحه وسلام حياته.