من الخطأ أن تحصر النخبة السياسية رأيها في كون الاحتجاجات من قبل المجتمع ضدها بأنّه تهديد أمني لحياة هذه النخبة .. دائماً في العالم العربي، يغلب الظن السيء على تفسير الاحتجاجات وفهم دوافعها وأهدافها..
عملياً، أي احتجاجات لأي مجتمع ضد النخبة السياسية ستؤدي الى أمرين إيجابيين الاول، تتبلور نقاشات عميقة بين صفوف النخبة السياسية بشأن الإصلاح والتطوير وتحسين طريقة تعاملها مع ملفات اقتصادية واجتماعية تخص الأغلبية من المجتمع.
الأمر الثاني الإيجابي، يتعلق بشيء جديد داخل النخبة السياسية يبدأ يتبلور، بمعنى أن الاحتجاجات قد تكون ملهمة لظهور أجيال جديدة في نظرتها للعمل السياسي والعمل العام من داخل النخبة التي خرج المجتمع ضدها. في السياق نفسه، أي نضج في وعي النخبة السياسية يمكن لاحتجاجات المجتمع أن تكون محفزاً له بطريقة مذهلة ومتسارعة، كما أن العلاقات الأخلاقية المفيدة بين المجتمع والنخبة السياسية ستتحسّن كون هذه الأخيرة ستقوم بخطوات واتخاذ قرارات تعيد ثقة الناس بنخبتها
السياسية.
في موضوع الاحتجاجات من الظلم أن يتم التركيز على المخاطر الأمنية للمتظاهرين، فخروج هؤلاء وتضحياتهم في قضايا اجتماعية واقتصادية، يزيد من مستوى مواطنة النخبة السياسية تجاه مجتمعها وكيفية خدمته على نحو جدي وحقيقي.
في التجربة العراقية بصورة خاصة: النخبة السياسية التي تدير البرلمان والحكومة اتخذت قرارات إيجابية لم تتخذها طيلة 16 عاماً مضت، بمعنى ترددها في السابق بشأن هذه القرارات زال، كما أنّها تبحث عن تحقيق المزيد من القرارات المفيدة للمجتمع الكلي وتتأمل ذلك.
في أهم استخلاصات التجربة هذه، أن النخبة السياسية باتت مدركة لأهمية وجود علاقة صحيحة بين الدولة والمجتمع، فأمن العراق ومصالحه العليا وقوته وثقله في المنطقة، كله مرهون بعلاقات ناجحة بين النخبة السياسية التي تدير العملية السياسية وبين المجتمع.
نقطة اخرى ذات اهمية وهي أن المزايا التي بحوزة النخبة السياسية كونها نخبة، اصبحت موضع مراجعة من قبل النخبة نفسها لاسيما المزايا المادية ومن ثمّ نشأت توجهات جريئة للتخلي عن هذه المزايا التي تستفز المجتمع. من الناحية النفسية، التوتر الحاصل بين النخبة السياسية وبين المتظاهرين ستقوي النخبة وستقوي المجتمع وستقوي العلاقات المفيدة والسليمة بين القوتين اللتين تمثلان دعامتي الدولة شرط أن تدرك القوتان (النخبة السياسية والمجتمع) بأنّ عليهما عدم تحويل الاحتجاجات الى مواجهة مستمرة بينهما.
في علم الأخلاق السياسي، كل عيوب النخبة السياسية يمكن أن تتحول الى مزايا في ظروف استثنائية، ومن بين هذه الظروف الاستثنائية هي الاحتجاجات التي يقوم بها المجتمع، ففي الاحتجاجات تستطيع النخبة السياسية أن ترى عيوبها بوضوح أكبر وتستطيع أن تتحرك نحو تحقيق مزاياها بتصميم
أكبر.