3 تحديات تمنعُ استبدال الطيارين بالتكنولوجيا المتطورة
علوم وتكنلوجيا
2019/11/10
+A
-A
باريس/ بي بي سي
ربما سيمثل تشغيل طائرات ركاب تحلق دون طيار، التحول الأكبر المقبل في عالم الطيران. وقد شهدت نسخة هذا العام من معرض باريس للطيران، إعلان شركتيْ إيرباص وبوينغ أنهما ستسعيان لإقناع الجهات المُنظمة لحركة السفر الجوي في العالم بهذه الفكرة.
عقبات كثيرة
على أية حال، ليس هناك توقيت أفضل من الآن لتبني توجه مثل هذا. فبينما يزيد الطلب على السفر الجوي بشدة، ما يعني أن شركات الطيران ربما ستكون في حاجة لأكثر من 800 ألف طيار جديد على مدار السنوات العشرين المقبلة؛ توجد عقبات كثيرة تحول دون تجهيز هذا العدد الكبير من الطيارين، ما يخلق ما وصفته شركة بوينغ من قبل بـ"أحد أكبر التحديات" التي تواجه صناعة الطيران.
لكن على الرغم من أن تقنية تسيير طائرات ركاب دون طيار، توفر حلا لهذه المشكلة، فإنها لا تخلو من تحديات مرتبطة بها هي نفسها، ما قد يحول في نهاية المطاف دون خروجها إلى النور.
التدخلات السياسية
يوجد للابتكارات الجديدة - حتما - رابحون وخاسرون. فعندما اخْتُرِعَت السيارة؛ انصرف الركاب عن القطارات؛ تماماً كما حدث عندما أدى ظهور السكك الحديديَّة قبل عقود من ذلك، إلى ركود في حركة النقل البحري والنهري، بعدما كان يشكل وسيلة التنقل الرئيسة.
ونتيجة ذلك كله توافرت وظائف للبعض وحُرِمَ البعض الآخر منها، وهو ما يلخصه الكاتب الأميركي نيكولاس كار في كتابه "القفص الزجاجي: نحن والتشغيل الآلي" بالقول: "لا يوجد قانون اقتصادي يقول إنَّ كل الأشخاص أو حتى غالبية الأشخاص، يستفيدون من التقدم التكنولوجي".
ومن بين الأمثلة الرئيسة على ذلك؛ طائرات الركاب التي تسير دون طيار. فبينما تبشر هذه التقنية بإحداث تحول ثوري في عالم السفر، فإنَّ لها ثمناً يتمثل في فقدان فرص عمل كان يُفترض أن تتوافر للطيارين، الذين توظف صناعة الطيران عشرات الآلاف منهم في مختلف أنحاء العالم، لنقل مليارات المسافرين عبر تريليونات الكيلومترات.
ومن شأن نقل مهام هؤلاء المهنيين المهرة إلى الآلات؛ إحداث بطالة واسعة النطاق في صفوفهم، تزيد من وطأتها صعوبة أن يوظفوا مهاراتهم وقدراتهم في أي مجال مهني آخر، بالنظر إلى الطبيعة الفريدة والمتخصصة بشدة للمهارات التي يتطلبها عملهم في الطيران.
هنا يأتي دور العوامل السياسية والنقابية. فالطيارون يحظون بدعم النقابات العمالية ذات النفوذ الواسع، وهي تلك المنظمات التي تستخدم أساليب المساومات الجماعية والضغط السياسي وتنظيم حملات الضغط، للتعامل مع القضايا التي تؤثر في أعضائها.
ومن بين هذه النقابات؛ رابطة طياري الخطوط الجوية التي تمثل أكثر من 63 ألف طيار على مستوى العالم. ومن بين الأمثلة التي تؤكد النفوذ الكبير الذي تتمتع به هذه الرابطة، الدور الذي لعبته في الحيلولة دون تخفيض عدد أفراد طاقم قمرة القيادة في الطائرات.
وتحظى النقابات العمالية بحلفاء في حملتها ضد إسناد مهمة قيادة الطائرة إلى طيارين آليين، في ضوء أّنَّ هذه الخطوة لا تهدد وظائف العاملين في مجال الطيران بشكل مباشر وحدهم، بل يمتد خطرها إلى من يعملون في الأكاديميات التي تتولى تدريب الطيارين، والعاملين كذلك في الجامعات والكليات والمعاهد المُناط بها هذه المهمة أيضا. وتوظف كل هذه المؤسسات عشرات الآلاف من الأشخاص، سيصبحون جميعا مهددين في أرزاقهم، إذا ما بدأ تسيير رحلات طيران دون طيارين.
التأمين
لا شك في أن الطائرات غالية الثمن بشدة. فتكلفة طائرة الركاب الصغيرة - التي لا تضم سوى ممر واحد بين صفين من المقاعد وتنتمي لطراز "بوينغ 737" - تصل إلى 100 مليون دولار على الأقل للواحدة منها. أما نظيرتها الأكبر، التي تضم ممرين وتنتمي لطراز "بوينغ 777"، فيفوق سعرها 300 مليون دولار.
وبرغم أنَّ شركات الطيران تحصل على خصومات على أوامر شراء الطلبيات الكبيرة، فإنَّ ذلك لا يمنع من أنْ تظل الفاتورة النهائية التي تدفعها ضخمة بالفعل. ففي عام 2011، أنفقت شركات الطيران الأميركية أكثر من 30 مليار دولار لتطوير وتحديث أساطيلها. ورغم أن حوادث تحطم الطائرات نادرة، فإنها لا تزال تحدث، وهو ما يؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بميزانيات شركات الطيران.
هنا يأتي دور قطاع التأمين، فالشركات العاملة في صناعة الطيران تشتري شهادات تأمين لتغطية الخسائر التي قد تلحق بها، إذا تضررت إحدى طائراتها أو تحطمت. وتوفر هذه الشهادات الحماية المالية للشركات حال رُفِعَتْ ضدها دعاوى قضائية مرتبطة بحدوث خسائر في الأرواح أو الممتلكات، بسبب وقوع حوادث.
وهكذا فمن الأسئلة المهمة التي تواجه مسألة تسيير طائرات ركاب دون طيار، مدى ما سيلحقه ذلك من تأثير في أقساط التأمين التي ستدفعها هذه الشركة أو تلك. الاعتقاد السائد يشير إلى أنه يفترض أنْ تتراجع قيمة المدفوعات الخاصة بتلك الأقساط، باعتبار أن الطائرات دون طيار - التي ستعمل باستخدام مجموعة من أجهزة الاستشعار والبرمجيات المتطورة - ستخلو من "المجرم" المتورط في غالبية حوادث الطيران، وهو الإنسان.
ويعني ذلك أنه إذا كانت تلك الحوادث نادرة الآن، فإنها ستصبح أكثر ندرة في عصر طائرات الركاب دون طيار، وهو ما يُنتظر أن يؤدي بدوره إلى تقلص قيمة المدفوعات لشركات التأمين. لكن الواقع قد يكون أكثر تعقيداً.
غير أن استخدام المزيد من الأوامر المشفرة بغرض تعزيز مستوى الأمان، سيجلب معه كذلك نوعاً مختلفاً من المخاطر. ويعني ذلك أنه بدلاً من أن يكون لدينا عامل الخطأ البشري كسبب محتمل لأي حوادث، سيصبح هناك - في هذه الحالة - عامل من نوع مختلف قد يقود بدوره لوقوع مثل هذه الحوادث.
وفي العام 2015، حذرت جهات حكومية تتولى تنظيم قطاع الطيران المدني، من إمكانية حدوث أعطال في النظام الكهربائي الخاص بطائرات "دريملاينر"، وذلك بسبب خلل في البرمجيات لم يكتشفه المهندسون سلفا، قد يؤدي لـ "فقدان السيطرة على الطائرة".
وقد واجهت إيرباص مؤخرا مشكلات مماثلة مع طرازها الرئيس في الوقت الراهن "إيه 350"، بعدما تبين أن الطائرات المنتمية لهذا الطراز، عرضة لمشكلات إلكترونية، قد تؤدي إلى أن تصبح في "وضع غير آمن"، وذلك بسبب عطب آخر في البرمجيات، فشل المهندسون في رصده وإصلاحه.
وفي العام 2008، حذرت جهات تنظيمية حكومية في قطاع الطيران، من إمكانية نجاح ركاب الطائرات من طراز "دريملاينر" في اختراق نظام التحكم في الرحلة، عبر منظومة الترفيه الموجودة على متن الطائرة، وهو ما يجعل بوسعهم تجاهل أوامر الطيار وتجاوزها كذلك.
وبحسب وثيقة حكومية، يسمح تصميم هذه الطائرة بحدوث "أنواع جديدة من الاتصال بين الركاب وشبكات بيانات - كانت من قبل معزولة (عن التواصل) - وهي شبكات مرتبطة بأنظمة تؤدي وظائف يتطلبها التشغيل الآمن للطائرة". وفي الآونة الأخيرة، تمكن فريق من الخبراء والمحترفين في القرصنة الإلكترونية، من أن يخترق عن بعد طائرة من طراز "بوينغ 757" باستخدام موجات الراديو.
ومن المنتظر أن تتزايد هذه المخاطر حال تشغيل طائرات ركاب دون طيار. ففي هذه الحالة، سيصبح دور البرمجيات في التحكم في الطائرة مطلقا لا يوجد له كوابح، ما يجعل خطر المشكلات والأعطال التقنية والبرمجية يتفاقم بشدة.
الرواتب
يحصل الطيارون على جانب كبير من أرباح الشركات التي يعملون فيها. فمتوسط الدخل السنوي للطيار - صاحب الخبرة التي لا تقل عن خمس سنوات - يبدأ من 147 ألف دولار. بل إن الرقم قد يصل إلى قرابة 300 ألف دولار، بالنسبة للطيارين المخضرمين.
وتعكس هذه المبالغ الكبيرة حقيقة تواجه هذه الصناعة الحريصة على ترشيد التكاليف، ألا وهي أن هناك نقصا في المعروض من الطيارين، وأن تعلم قيادة الطائرة أمر مكلف وشاق في الوقت نفسه. وتؤدي عوامل مثل هذه، إلى رفع رواتب الطيارين بشكل كبير، ما يجعل حجمها الإجمالي عاملا حاسما في تحديد التكاليف التي تتكبدها شركات الطيران في بند العمالة وحده، وهو ذاك البند الذي يشكل - جنبا إلى جنب مع تكاليف الوقود - أحد أكبر أوجه الإنفاق لتلك الشركات.
وبطبيعة الحال، من المفترض أن يتغير هذا الوضع مع دخول طائرات ركاب دون طيار الخدمة. ويُقدّر مصرف "يو بي إس" السويسري قيمة المصروفات التي يمكن توفيرها سنويا، إذا خلت قمرة القيادة من العنصر البشري بـ 35 مليار دولار على الأقل. ومن شأن رقم مثل هذا، تعزيز أرباح صناعة تعاني بشدة في أغلب الأحيان لتحقيق مكاسب.
اللبنات الرئيسة
ويتساءل البعض عن أسباب عدم اللجوء إلى الحلول التكنولوجية للاستعاضة عن البشر في مجال الطيران المدني بهدف توفير النفقات، في ضوء ما هو معروف عن مزايا السير على الدرب في مجالات أخرى مثل الدفاع والطاقة وغيرهما.
ويبدو أن هذه الفكرة تروق لشركات تصنيع الطائرات التي تحسب أن بإمكانها القيام بذلك. ففي العام 2017، رحب مدير تنفيذي في "بوينغ" بالفكرة، قائلاً: "اللبنات الرئيسة لهذه التقنية متوافرة بوضوح". كما أعرب مسؤولون في "إيرباص" - الشركة المنافسة لـ "بوينغ" - عن آراء مماثلة في وقت سابق من العام الحالي، قائلين إن لدى شركتهم بالفعل "التقنيات الخاصة بالطيران الذاتي".
لكن اللجوء إلى هذا النوع من الطيران لا يعني أن الطائرة ستقوم برحلتها دون تدخل بشري على الإطلاق. فرغم أن أجهزة الاستشعار والبرمجيات الإلكترونية قلصت وجود حاجة للدور البشري، فإن هذه الحاجة لم تنتفِ على الإطلاق، بعكس ما يُقال لنا. ففي واقع الأمر، من العسير أن تجد صناعة واحدة، تتولى فيها البرمجيات أداء العمل كاملا دون دور أو إشراف بشري. ويعود السبب في ذلك، إلى أن تفعيل الأنظمة الأوتوماتيكية في التشغيل، ليس خيارا يكفل عدم ارتكاب أخطاء بشكل كامل، فالتقنيات تخطئ تماما مثل البشر. وقد يكون لأخطائها تَبِعات كارثية، بحسب القطاع التي تحدث فيه.