صناعة الأدب في المنتديات الثقافيَّةصناعة الأدب في المنتديات الثقافيَّة

ثقافة 2018/11/18
...

بغداد/ ابتهال بليبل
 
يثير تزايد المنتديات الثقافية والملتقيات الأدبيّة تساؤلات عدّة عن دورها في صناعة الأديب ومدى تأثيرها بواقع الثقافية العراقية؟، وأشاد بعض النقاد والمهتمّين بالشأن الثقافي بأهميتها في دعم الشباب وعدّوها فرصة لاستقطاب الابداع الثقافي وتسليط الضوء على نتاجهم المهمّش. وأعرب آخرون عن قلقهم من هيمنتها، من منطلق أن أغلبها يفتقد للإمكانات الثقافية والضوابط المتعلّقة بالأجناس الأدبية وغير ذلك، وأن ما يقدم منها لا يتعدى المظاهر الشكليّة. وعلى هذا الاساس، انقسم الوسط الثقافي إلى فريقين، الأول يتواصل مع نشاطات وفعاليات هذه المنتديات بوصفها لا تنضوي تحت واجهات سياسية معيّنة، والفريق الثاني يقاطعها عموماً. 
 
فرص نفعيَّة
 
شكّل سقوط الشموليّة في العراق العام ٢٠٠٣ نافذة مضيئة لكثير من المبدعين الذين كان الموقف السياسي بالضدّ من انتشار نتاجاتهم، اذ صنّفها بالضد من توجهاته السياسية والثقافية، إلّا أنّ هذه النافذة الفريدة من نوعها لم تستثمر بشكل حقيقي يُسهم في تطوير آليات الاشتغال الابداعي في العراق، حسبما يرى الناقد والشاعر جبّار 
الكوّاز.
إذ يعتقد أنّ الكثير ممن لا ينتمون الى المشهد الابداعي وجدوا في ماقدمته المنظمات الدولية لدعم المشهد الثقافي فرصا نفعيّة. ولهذا لمسنا نشوء منظمات مجتمع مدني باسم الابداع، إلّا أنّها لا تنتمي الى ذلك المشهد وسرعان ما وضعت نفسها بالضد من نشاط اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، الاتحاد ذو التاريخ الكبير الذي أسسه الشاعر الكبير 
الجواهري.
هذه النظرة الضيقة كما يبيّنها الكوّاز صارت حجر الزاوية في تفاقم مشكلات هذه المنظمات أو المنتديات بدلا من التوجّه الى الاتحاد لأخذ المشورة والاستفادة من الخبرة التي يمتلكها في العمل المهني، ولو تابعنا بعضا من نشاطاتها لوجدنا أنّها لم تفرز آليات خاصّة بها تمكن أعضاءها من تطوير مواهبهم او سعيهم الحقيقي في العمل
الابداعي. 
لتنتهي القصّة بغلق أكثرها، ولم يتبقَ منها إلّا النزر اليسير الذي ما زال يتوكّأ منتظرا الهبات
 والدعم الخارجي.
ويتساءل الكوّاز مستغرباً: ترى كيف يمكننا الآن أن نتوجّه الى تأسيسات ابداعيّة لا تحمل إلا الاسم فقط، وتعتمد على نشاطات موسميّة او سنويّة تقدم فيها لوحات تكريم وشهادات تقدير لا تعني شيئا أمام المهمات الكبرى التي تأسّست بموجبها؟، وهي وفق الواقع الذي تعيشه ادخلت الكثير من الموهوبين في الوهم الابداعي من خلال التلفيق والنصب والغشّ والخداع.
 
الجودة والرصانة
ولا يشكّ الناقد والشاعر أحمد الشطري أنّ الاتحاد العام للأدباء والكتّاب يمثّل التجمّع الرسمي، والممثّل الشرعي للأدباء، بيد أنّ النشاط الإبداعي، هو نشاط  إنساني، واجتماعي، وفي ظلّ ما متوفّر من مساحة حريّة، فمن الطبيعي أن تنعكس هذه على النشاط الابداعي، سواء عن طريق تكوين منتديات، او تجمعات تعنى بتقديم الدعم الاعلامي، او الاشهاري، والاحتفاء بمنجز المبدعين. 
ويرى الشطري أنّ ذلك عامل مشجع، واضافي لما يقدّمه الاتحاد، مع ملاحظة ان الكثير من الزبد يخرج عن تلك التجمعات، ولكنّه حتما سيذهب جفاء، ويبقى ما ينطوي على مقومات الجودة، والرصانة.
وهذا لايختص بتلك التجمعات، فحسب، والتي يكون عامل المحاباة والعلاقات الاجتماعية فاعلا فيها، بل إنّ الملاحظة تشمل حتى الاتحاد في نشاطاته المتنوّعة. 
وفي كلّ الأحوال، فإنّ تلك النشاطات قد تبرز اسماء لا تستحق، ولكنّها لا يمكن ان تصنع أدبا، او أديبا دون ان يكون متمكنا من ادواته، وقادرا على تقديم ما يستحق البقاء، بغض النظر عمّا يحققه ممن لا يستحقون 
من شهرة زائفة.
 
جنسية الثقافة العراقية
أما الدكتور ناظم حمد السويداوي. وهو باحث وناقد، فيعتقد أن المشهد الثقافي في أي بلد يرتكز على أمرين إثنين: أحدهما، حضور المثقف الواعي، والثاني، هو جاذبية السلطة له، ويمكن لنا في هذا الإطار ان نحدد، على ضوء هذين الأمرين، الأطر الأساسية للبناء الثقافي في العراق، وكثرة المنتديات الثقافية خارج سياق الدولة، إن صح التعبير، وماهية الدور الذي تقوم به هذه المنتديات في صناعة الأديب العراقي، ومدى فرض الرقابة عليه من ناحية صلاحية النتاج للذائقة الفنية، والعُرف اللغوي.
ويرى السويداوي أن المرتكز الاول للأدباء هو اتحاد الأدباء في العراق  الذي من المفترض، أن يقوم بتنشيط الدور النتاجي والرقابي لكل الأدباء، في العراق وخارجه، ممن يمتلكون جنسية الثقافة العراقية، ولكن للأسف، يبدو لي من خلال معاينة ما يجري، أن ثمة حقيقة واحدة، ان بعض الأدباء، شعراء ونقاد وقصّاصين، لا يمتلكون الرغبة الجادة في الانضواء تحت عباءة الاتحاد، لأمور يطول شرحها، لذا بدأنا نرى كثرة المنتديات الثقافية التي لا تخضع لسلطة الاتحاد، وثمة أمران في هذا المجال: أمر ايجابي، مفاده هو احتضان الطاقات الشبابية ورعايتها وابرازها الى ساحة الوجود. 
وأمر آخر سلبي، هو عدم متابعتهم، وتحديدا في مجال اللغة، فبدأنا نلحظ خلطا لحنيا في اللغة، وبدا عليهم وكأنهم يشاكسون اللغة بطريقة الآيس من فهمها.
الأمر الذي يستدعي من القائمين على الثقافة، وأعني السلطة الثقافية، أن تضع اشراطا خاصة لمنح الموافقات التي تؤهل صاحب هذا المنتدى ومريديه، أن يمارسوا عملهم وفق متطلبات واطر محددة، ولا يكون ذلك الا تحت سلطة اتحاد الأدباء (المغيَّب) فهو الراعي الأساس
للثقافة. 
عندئذ نكون قد خلقنا مقاربة ثقافية تقود المبدع الى استثمار ابداعه وصقل موهبته بالطريقة السليمة، وفي ذات الوقت، تجاوز كل نقائص الزلل التي يجب ان يقوم بها مختصون في هذا المجال، على ان ترعاهم الدولة، فليس عسيرا عليها، أن تخصّص جوائز سنوية للمبدعين، تحفزهم وغيرهم على الابداع في كل مجالات الثقافة، نقدا وشعرا وقصة ورواية، حسب قوله.