اليومي في إطار النقد

ثقافة 2018/11/18
...

ياسين النصير
 
كثيرًا ما يطرح الدكتور محمد أبو خضير ثيمات ثقافيّة هي جزء من بنية حياتيا اليوميّة، جزء يتصل بالسطح الاجتماعي العام ليس الذي نعيشه ونفكّر فيه، وخلال الطرح نكتشف أنّ تلك الشعيرة الخاصة تحتوي على بنية اجتماعية عامة نمارسها ونخصّص مناخًا لتصبح جزءا من شخصياتنا الاجتماعية، اي ثمة رؤية اجتماعية ترافق ما يشاع وما يفرض حضوره اليومي.
من القضايا المهمّة التي طرحها الدكتور ابو خضير، قضية "الموضة" كأسلوب وممارسة جمعيّة- أداتية تضفي على شخصياتنا لونًا من البحث؛ إمّا عن تقاليد اجتماعية قديمة فرضتها، أو التحرّر من القيود تلك التقاليد والعادات، هذه المحاولة للدكتور محمد ابو خضير واحدة من أساليب الحداثة النقدية  المعاصرة، التي تضع أشياء الحياة الهامشيّة في البؤرة من تفكيرنا النقدي، والتي تتيح لأي واحد منا أن يمارس حريته في اختيار ملابسه وأكله وأصدقائه، وطرق الثقافة التي يبتغيها، وقد يبتعد احيانًا عمّا يشترك به مع الآخر، لذلك تشكّل الحرية مجالا لفرز المسافة بين الأنا والآخر، وبدون هذه المسافة لايمكن التعرّف على الذات، فإنسان الحداثة يفكّر دائمًا في أن يحقّق لذاته وجودًا مصحوبًا بارادة وتفهم لما يحيط به، وفي الوقت نفسه ينسجم هذا الوجود مع أفق التطلّع للغد لتحقيق المزيد
من انتاج الذات. 
الموضة ليست أسلوبا فرديا يفرض على الآخرين، إنّما هي إحساس جماعي بضرورة التجديد، وأن كانت تبدو كذلك، إنّما هي جزء من بينة الحداثة الاجتماعية، وقد فرضت طرائقها على الشباب والثقافة من دون أن تأخذ إذنًا من أحد، خاصة وان سرعة الإتصالات وتنوّع اجهزتها وما يمكنها من كسر المسافات بين الناس وعلى مديات جغرافية بعيدة، أمكن للذات أن تحقق حضورها أولا، وان تفتح مجالا للسؤال عمّا يحيط بها ثانيًا، الموضة طريقة للتحرّر من أية قيود مكبّلة للحرية، لذلك يرتبط اللباس باللسان والفرجة والحرية، ويرتبط الكلام بالتحرر من القيود المكبّلة للقول، وترتبط حرية الفكر باختيار  طريقة مغايرة لطرائق القبيلة والعرف.
هكذا مرت الشعوب الغربيّة بمثل ما نمر به اليوم، دون ان يكون لديها وسائط اتصال مثلما هو حاليًا، فاستطاعت أن تعين حرياتها وان تمارس وجودها وان تؤلف جماعات لطرح الأسئلة، وأن تغير احزابها وطرق تفكيرها التي لاتنسجم والحداثة، وأن تبحث عن العمل خارج السياقات المألوفة، وان تسافر لتبحث عمّا تجهله، وتسأل لتكتشف، ما لدى شبابنا اليوم يفوق ما كان متوفرًا لشباب أوربا حتى الى مرحلة متأخرة من القرن العشرين، ومع ذلك مايزال صوت حركة الشباب في باريس عام 1968 يتردد في الكثير من الدراسات والبنى الاجتماعية الحديثة، لانه ارتبط بتغيير ما كان ففرض الموضة الفكرية التي يرغبون  في تعميمها وتبنيها.
ما يطرحه الدكتور محمد ابو خضير من أفكار حديثة، يعبر عن واحدة من الكشوفات الجديّة عن مشكلات الحداثة المفرطة لشبابنا، وهي التحرر من الهوية الاجتماعية والاندماج في الهويات الفرديّة والذاتيّة، فقد أصبحت الحياة الفردية مركزة بالبطاقة الائتمانيّة في شراء السلعة والسفر والاقتراض، بطاقة تدل على هوية الفرد معلمة باسمه، التأمل بهذه الطريقة يقودنا الى اكتشاف أن الإنسان لن يكون بمعزل عن تأثيرات الموضة حتى لو لم يعشها.. ولذلك ما أن تتشكل حلقة للرقص في الشوارع، حتى يبادر الجميع للاشتراك فيها.
وما ان يطرح نائب مشروعًا للتحديث حتى ينظم إلى مشروعه الآلاف، هكذا تكون حركية الشباب اليومية، حركة سياسية، بالرغم من ابتعادهم الظاهر عن السياسة.