قاسم موزان
تعمية المشكلات السياسية والمجتمعية وإهمالها على نحو شبه مقصود يعني الايعاز الضمني لعملية التراكم الكمي من الازمات سواء أكانت الازمات موروثة من عهود سابقة قد فرضتها السياسات الخاطئة في توظيف العوائد الاقتصادية باتجاه الحروب او الغزوات التي أفضت الاخيرة الى عقوبات اقتصادية قاسية مسّت بشكل مباشر صميم الحياة المعيشية للمواطن، او جاءت تلك الازمات من التقصير في تبني سياسة اقتصادية واعدة تنهض بالبلاد واصاب الخلل في المشاريع الخدمية في بغداد والمحافظات لاسباب تتعلق بتوظيف الاموال الباهظة في مواجهة الارهاب الوافد وتهديد أمنه الوطني وراح جراءه الضحايا الابرياء، فضلا عن خسائر كبيرة في القوات المسلحة ومعداتها، وعانى الاقتصاد العراقي وريعه الوحيد من تراجع في الايرادات لتذبذب اسعار النفط في الاسواق العالمية، واستغل مسؤولون ومتنفذون في الحكومات المتعاقبة الصراعات السياسية وظروف الارهاب بكل مسمياته الاجرامية فرصة انشغال البلاد في الايغال بالفساد المالي من دون واعز من ضمير، والفساد لا يقل بشاعة عن القتل والتصفيات الجسدية وقد يكون داعما لها بتوفير غطاء شرعي بوصف الارهاب بأنه مقاوم للاوضاع الشاذة في البلد وتصويبها واعادة الامور الى ما كانت عليه قبل 9 نيسان 2003.
وعقب تحرير الاراضي العراقية من آثار داعش واخواتها بعد تضحيات جسيمة لم تشهدها حروب المنطقة، بقي الفساد التهديد الأكبر لانجاز المشاريع التنموية والخدمية وبناء المساكن او المجمعات السكنية بالرغم من التخيصصات الهائلة من الاموال، وانتشرت على نحو مرعب العشوائيات في محيط المدن او داخلها، الا ان تلك الاموال اخذت اتجاها آخر، وضاعت فرص عمل الشباب من خلال عدم استقدام الشركات الاستثمارية والاهتمام بالقطاعات الزراعية والصناعية واعادة تشغيل المعامل المعطلة ما يوفر فرص عمل كبيرة ووضع ضوابط صارمة على الاستيراد العشوائي واغراق السوق المحلية بالسلع الرديئة وغير الضرورية مع غياب واضح لحماية المنتوج المحلي وتلك ازمة، لذلك بات العراق منتجا قويا لتوليد الازمات، فما ان تغيب ازمة او تعالج بحل ترقيعي حتى تلد اخرى، في عتمة النفق المظلم الذي لا يتوقع في نهايته ضوء او بصيص أمل كاذب؛ لهذا تنامى الشجب الداخلي لدى الشرائح المجتمعية من سوء الخدمات وحالات الفوضى وقد تفجّر ذاك الشجب الى فضاء التظاهرات السلمية المطلبية في انحاء العراق لانتشال الواقع المزري نتيجة صراعات سياسية مقيتة فرضتها المحاصصة واهمال الساسة لرسم ستراتيجيات مستقبلية لبناء الدولة بعد الخراب العام الذي ينخر المفاصل الحيوية، شكلت التظاهرات فيما بعد ازمة حادة للحكومة وتعاملت معها بعدم الجدية في بداية الامر، وحصل تصادم مؤسف بين المتظاهرين والقوات الامنية وذهب نتيجة التصادم ضحايا من الطرفين تضاف الى سلسلة خسائر العراق المستديمة خلال السنوات الاخيرة، ومع تصاعد وتائر العنف المتبادل ارتفع سقف المطالب من خدمية وفرص عمل الى تحدي البنية السياسية وتعديلات دستورية وتشريع قانون جديد للانتخابات وآخر للاحزاب، وهذا يعني نضج وعي آخر في ساحات التظاهرات بالرغم من الحزم الاصلاحية للحكومة والبرلمان الا ان المتظاهر مازال ينظر بعين الريبة والتوجّس من عدم جدية تنفيذها على ارض الواقع، وقد بالغ المتظاهر في اسلوب مطالبه ولعل الحوار الصريح واعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطن يمثل بداية اولية لتفكيك الحالة القائمة وصولا الى حل المشاكل العالقة، ولعل انعدام الثقة بين الاثنين هي ازمة أخرى.
ولعل القول "وضع التراب تحت السجادة لايعني ان الغرفة نظيفة" ينطبق على حال الحكومات المتعاقبة لدى تعاطيها مع الازمات الخانقة بالمراهنة على الزمن لتناسيها ... وهذه ايضا ازمة!؟.