عبدالامير المجر
في الثقافة الاقتصادية العراقية، هناك ما يدعو الى التوقف عنده كثيرا، فمنذ أول موازنة بعد 2003، حصلت اشياء غريبة حقا، نتوقف في هذه السطور، عند واحدة منها، هي حكاية الحصص السنوية للمحافظات، التي تحتسب على اساس النسب السكانيّة، بعد استيفاء مبالغ الموازنة التشغيلية للدولة.. وعلى الرغم من ان العدالة في التوزيع لم تكن مثالية، لكن ليس هذا هو الأهم.
اذ كان من المفترض ان تدعم المحافظات بالاعتماد السليم للامركزية الادارية، التي تمنح المحافظة حق إبرام بعض العقود الخارجية، لتطوير مرافقها، وانفاق تخصيصاتها، من دون العودة في كل شيء الى المركز، لأن هذا من ماضي أغلب دول العالم ..
الحكاية وكما قلنا تثير الألم حقا، وبشكل مركّب، اي ان القرارات الحكومية والتشريعات البرلمانية، بدلا من ان تعمل على تطوير الجهاز الاداري للدولة، لعبت دورا سيئا حقا، عندما عملت بقصد او من دون قصد، على ارباك الاقتصاد وخلق فوارق طبقيّة بين العراقيين من خلال قرارات، لايمكن وصفها بأقل من المريبة. سبقها موقف غير مفهوم من الاموال المعادة الى الخزينة المركزية، التي لم تستطع ادارات المحافظات من صرفها بسبب البيروقراطية وغياب الصلاحيات اللازمة، وضعف مجالس المحافظات، ووصولها متأخرة أصلا، مضاف اليه صراع الاحزاب فيها.
الامر الذي حرم الناس من خدمات ضرورية كثيرة يحتاجونها، بسبب اعادة الكميات الاكبر من الاموال الى خزينة الدولة نهاية العام، بدلا من ان تبقى مدوّرة ومحفوظة، كونها من حقهم وحصتهم المقررة اصلا.
وفي الغالب تذهب هذه الاموال الى جيوب الفاسدين، بشكل او بآخر، سواء في المحافظات او عند عودتها للعاصمة.. وقد تجلى هذا بعد انخفاض اسعار النفط العام 2014 والتخبّط الذي عاشته الدولة حينذاك، بعد ان اكتشفنا جميعا، خواء الخزينة المركزية، وافلاس المحافظات تقريبا وعجزها عن القيام بأبسط واجباتها، فرحنا نستدين من صندوق النقد الدولي، لنؤمّن الرواتب!، والسؤال الذي يطرح نفسه، هو اين الاموال المسترجعة للسنين الماضية، وباي شكل وصورة صرفت؟ ..
الكارثة الاخرى وهي الأسوأ في تاريخ البلاد، لان الذين اقترحوها، كما لو انهم يريدون دق اسفين بين ابناء الشعب الواحد، الذين تعرضوا معا لمأسي الحروب والحصار، لاكثر من عقدين، وواجهوا تلك المحن معا.
اذ تفتقت عقول المشرعين من البرلمانيين عن فكرة غريبة، الا وهي نظرية البترودولار، اي اعطاء حصة 5 بالمئة من قيمة النفط او الغاز للمحافظة التي يستخرج منها! واتبعوها بقانون جديد اكثر غرابة، هو حصة المنافذ الحدودية للمحافظات المحاددة لدول الجوار!! وهذه سابقة خطيرة اخرى، اتت في سياق مشروع التقسيم الذي لم ينجح، فعمد الفاسدون على تنفيذه بالتقسيط، منوهين الى ان دعاة الفدرلة والمستفيدين، هم من كان وراء هذه اللعبة، وقد تمادى بعض المسؤولين في المحافظات، من المنسجمين مع هذه الفكرة، بطلبهم ان تكون حصة البترودولار 20 بالمئة، اي ان المحافظات غير المنتجة سيعيش ابناؤها على الكفاف، لتتعزز الفوارق الطبقية بين ابناء البلد الواحد، بعد ان نزفوا معا الكثير من الدم والعرق في الدفاع عنه وبنائه، منذ تأسيس الدولة العراقية. وهكذا ضاعت حقوق الناس بين هذه القوانين الغريبة والمريبة، نتيجة لجشع البعض ولغياب الرؤية الاقتصادية الوطنية.
هل ظلمنا أحدا بهذا الوصف؟ .. اعتقد ان العراقيين اليوم، لو اجروا جردة حساب، كلّ في محافظته، بحجم الاموال الضائعة والمسترجعة للخزينة، واين صرفت لاحقا، لادركوا ان هذه القوانين لم توضع في الاساس لخدمتهم، بل لتكون اغطية للفاسدين، تستروا بها ليحققوا مكاسب حزبية وشخصية، تراكم ما خلفته من ظلم ليصل بالناس مرحلة
الانفجار!