ايقونية الأقمشة

ثقافة 2019/11/12
...

ابتهال بليبل
 
إذا كانت الأشكال المادية، هي فئات ثقافية، فهل تُشكل أقمشة الملابس والمنادل والأعلام والرايات نفس المعنى؟ إنني أتساءل هنا كيف يُمكن لقماش أن يحتوي تفاعلي، أن يتطبع بأفكاري ويدعمها؟
المسيرات والتجمعات والاحتجاجات وحتى كرنفالات الأفراح ووقفات الحداد تلك كانت الأقمشة الظاهرة داخل أجوائها سواء بوجودها كثياب أو مناديل أو رايات وغير ذلك. كانت جميعها تمثل أجسام جنسانية لها (حتمية الجمع ما بين الهوية، الدور، والإشارة إلى أفكار ومعتقدات وفلسفات) كما لو أنها تجارب بشرية تعمل على توطيد العلاقات وتعبئة التوجهات، أو ظهور ما - سنعتبره نموذجاً للنوع الاجتماعي المتضامن- كما عند رفع راية نفسها لحشود معينة، أو ارتداء أزياء موحدة.
لكن، هناك تفاصيل غائبة عن البال تشير إلى ظهور حياة داخلية لعالم خارجي، حياة تعكس الوقوف بين المادي والمعنوي، وأنا الواحد بين الكل من حولي، بين العام والخاص، وعلاوة على ذلك فإن المشاعر والرغبات التي دائماً ما يحملها شخص ما للتعبير عن احتياجاته حتى وإن بدت- مثل اظهار الحب أو الحزن أو الغضب- متفاعلة بحدث ما، فإن للأقمشة هنا دلالات رمزية مشحونة بها.
تزداد مسوّغات تقبلي أو تقبلك للأشياء كلما قمنا بتغليف أشكالها بنا، قد لا يوضح فعل التغليف هذا معناها، ولكنه يشحنها بمشاعر مسؤولية عن احتياجات قد تتعلق بتوجهات فردية وعوامل (نفسية، سياسية، ثقافية، وغير ذلك)، ببساطة لأن قماشاً، يصدف أن يكون بين جسمي أو ربمّا جسمك والعالم، هذا (البين أو التوسط للقماش) هو الذي يربط بعضنا ببعض، حيث التناغم بين المادي والمعنوي لإنتاج نمط معين
 في حياتنا.
دعونا نتذكر أن ارتداء الأزياء المتشابهة من قبل أفراد مجموعة واحدة ليس تنميطاً كما النساء والموضة، وأنه لا مجال لعدم تنميطهم لتشكيل خصوصية ما كطلبة
 المدارس. 
دعونا أيضاً نعترف أننا كمواظبين على ارتداء ثياب الحداد لا تعترينا نفس الدرجة من الحزن كلما جاء دور أحد ما للإعلان عن حزنه وحداده، لأن حدادنا مستعاراً بالضرورة ما دمنا نرتدي السواد، هنا يكمن دور الأقمشة بكونها تقدم أجسادنا كأفعال
 معنوية.
وبالرغم من أن هذه التفاصيل قد تبدو هامشية. عندما تمثل بعض الأقمشة الأبعاد الجنسانية ما بين (الأحياء – الموتى) فإنّنا نحس وكأنها تتفاعل، ويمكنها أيضا، ان تحمل مؤشرات الزمن، أزمنة ماضية متشظية وانتقالية لتبدو مع الوقت من الحاضر الذي نعاصره.
جنسانية الأقمشة ثقافة غير قابلة للاختزال هي امتداد للذات التي يمكن أن تدرك نفسها عند التكيف مع الايقونات التي تمثلها بعيداً عن تعطيلها.
 إن مفهوم الايقونة يستدعي العقل لخلق أساليب التنظيم الممكنة، فضلاً عن الكلمة والصورة. كما أنها تندرج في إطار العوالم الخاصة التي تنفتح نحو العامة، لتأخذنا نحو مجالات- الكوسمولوجيا - أو بمعنى أدق مديات الطاقة، كذلك فإن الأيقونة ليست محددة ولكنها الشعبية المطلقة لحدودها
 الخاصة. 
نفهم إذن أن الاقمشة قد سمحت بإقامة التقاطع بين الأفعال والكلمات، واستغلت المشاعر والرغبات لتوفر لها - نوعا من الواقعية، واقعية (معنوية) تحديداً، كما يراها الفيلسوف ميشال فوكو في اللاواقعية الأساسية لليوطوبيات- لنكتشف أنّ الاقمشة موسومة بالأفعال لا بالكلمات حتى وإن كانت تحمل زينة كالتطريزات، أو حتى شعارات متفاعلة بشكل مباشر مع حدث ما، كونها منفتحة تعكس ما في الذات.