تعدُّ مشاريع إعادة تدوير النفايات من المشاريع الضروريَّة في المجتمعات ذات الكثافة السكانيَّة المرتفعة، التي بدورها تحافظُ على البيئة بالدرجة الأساس، وتوفر فرص عمل كثيرة من ناحية أخرى.
ويتفق خبراء الاقتصاد على أهمية هذا النوع من المشاريع الذي يحقق العديد من العوامل الإيجابية للبلد، والتقليل من مخاطر النفايات التي تؤدي الى تسرب السموم والملوثات الى المياه والتربة وانبعاثات الغازات الملوثة التي تخلفها وبذلك تمثل خطراً على سلامة المواطن.
مشروع ستراتيجي
المختص بالشأن الاقتصادي أحمد مكلف قال في تصريح لـ "الصباح": إنَّ "مشروع إعادة تدوير النفايات من المشاريع الستراتيجيَّة المهمة الواجب تنفيذها في العراق، بسبب القدرة الاستهلاكيَّة المرتفعة للفرد العراقي التي تخلف نسباً عالية من النفايات".
وأشار مكلف الى "أهمية هذا المشروع فيما لو نفذ على أرض الواقع، إذ يحقق الكثير من المزايا الناجحة، منها تشغيل الآلاف من الأيدي العاملة، وتحقيق إيرادات مالية تدعم خزينة الدولة، فضلاً عن الإسهام في رفد العديد من الصناعات بالمواد الأوليَّة، ودعم جزءٍ من توفير الطاقة الكهربائيَّة، علاوة على الحد من ملوثات البيئة التي تؤثر في صحة وسلامة الإنسان".
حجم الخسائر
وبحسب موقع ويكيبيديا، فقد قدرت دراسة اقتصادية صادرة عن جامعة الدول العربية في القاهرة حجم خسائر الدول العربية الناجم عن تجاهلها إعادة تدوير المخلفات بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، موضحة أنَّ كمية المخلفات في الوطن العربي تبلغ نحو 89.6 مليون طن سنوياً تكفي لاستخراج نحو 14.3 مليون طن ورق قيمتها ملياران و145 مليون دولار وإنتاج 1.8 مليون طن حديد خردة بقيمة 135 مليون دولار، بالإضافة لنحو 75 ألف طن بلاستيك قيمتها 1.4 مليار دولار، فضلاً عن 202 مليون طن قماش بقيمة 110 ملايين دولار، وكذلك إنتاج كميات ضخمة من الأسمدة العضويَّة والمنتجات الأخرى بقيمة تتجاوز مليارا و225 مليون دولار.
كما تشير الدراسة الى أنَّ الخسائر العربية لإهمال تدوير المخلفات لا تقف عند حد قيمة المنتجات التي يمكن الحصول عليها من عمليات إعادة التدوير، وإنما تمتدُ إلى تكلفة دفن هذه المخلفات ومقاومة الآفات والحشرات الناتجة عنها، مبينة أنَّ الدول العربية تنفقُ في هذا المجال نحو 2.5 مليار دولار سنوياً لمقاومة الأضرار الناتجة عن نحو 1353 مليون طن من المخلفات الحيوانيَّة و196.5 مليون طن من المخلفات الزراعيَّة مقابل 18870 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي، كما أنَّ إجمالي ما يتم جمعه من هذه المخلفات لا يوازي سوى 50 بالمئة من حجمها، وأنَّ تكلفة جمع ودفن هذه المخلفات تتجاوز 850 مليون دولار، فضلاً عن 1.7 مليار دولار أخرى لمقاومة الآثار البيولوجيَّة والصحيَّة والنفسيَّة لتلك المخلفات.
صناعات متكاملة
وحث مكلف "الجهات المسؤولة على ضرورة إنشاء صناعات متكاملة وقويَّة قادرة على إعادة تدوير المخلفات والإفادة مما تنتجه من ورق وزجاج وأسمدة وبلاستيك ومواد أخرى يمكن إدخالها كمستلزمات إنتاج في صناعات عديدة".
وأكدت الدراسة التي أعدتها جامعة الدول العربيَّة، بحسب ويكيبيديا أنَّ الصناعة الحديثة تمكنت أخيراً من إعادة تدوير جميع أنواع المخلفات الصلبة والعضويَّة وأنَّ صناعة تدوير المخلفات باتت من أهم الصناعات الواعدة في العالم، إذ تستحوذ على 28 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الصناعيَّة في الولايات المتحدة الأميركيَّة و23 بالمئة، في بريطانيا و35 بالمئة في ألمانيا.
عمالة وطنيَّة
ويرى أنَّ "هذا المشروع يعتمد بالدرجة الأساس على الأيدي العاملة، لذلك فإنَّه قد يسهم في تقليل نسب البطالة في البلد، إذ يحتاج المشروع الى هذه الطاقات في عملية الجمع والفرز وتشغيل المكائن وإيصال المواد الأوليَّة الى المصانع، التي بدورها ستكون بوابة أمام العديد من الصناعات التي تحتاج الى العمالة الوطنيَّة".
وحض مكلف "القطاع الخاص على الشروع في هذا النوع من المشاريع المحليَّة وعقد الشراكات مع القطاع العام بهذا المجال، لوجود الأرضيَّة والبيئة المناسبة والتي تحقق نجاحاً كبيراً، من أجل نهضة تنمويَّة حقيقيَّة تدعم اقتصاد البلد".
من جهته قال الخبير الاقتصادي باسم جميل في تصريح سابق لـ "الصباح": "هذا المشروع سيخلق فرص عمل كثيرة، وسيلقى إقبالًا واسعاً من شركات القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، كما هي الحال في دولٍ عديدة والتي تملك تجارب كبيرة في إعادة التدوير، فضلاً عن أنَّه سيحقق مردودات مالية إضافيَّة لخزينة الدولة".
طمر صحي
وأضاف: "هناك مئات الآلاف من الأطنان شهرياً من النفايات، لا بدَّ من تدويرها والتخلص من عملية الطمر المسماة بـ(الطمر الصحي) والاستفادة من المواد التي لها خواص إعادة
التدوير".
وأوضح جميل أنَّ "مشروع إعادة تدوير النفايات سيسهم في التخلص منها بشكل علمي ونظيف والتخلص من التلوث الذي تسببه هذه النفايات، إذ باتت تنتشر في الأماكن العامَّة وبشكل غير حضاري، ويمكن تصنيفها الى مواد معدنيَّة وزجاجيَّة وورقيَّة، كما يمكن تحويلها الى أسمدة كيمياويَّة".
يذكر أنَّ مجلس الوزراء قد وجه أمانة بغداد بتخصيص مساحة 100 دونم في منطقة البوعيثة ببغداد كأول موقع يُنشأ فيه مشروع تدوير ومعالجة النفايات، إلا أنَّ هذا المشروع لم ينفذ حتى الآن.