كان ومازال المواطن العراقي البسيط يُعاني من مراجعته لأية دائرة حكومية، بل تكاد تكون حاجته لمراجعة دائرة ما، من أقسى ما يواجهه في حياته، وذلك بسبب الأمراض الإدارية المستعصية وحلقات الروتين المميتة.
مرض إداري صار مستعصيا جدا، وأصبح كالفايروس ينتقل من وزارة إلى وزارة ومن مكتب إلى مكتب ومن دائرة إلى دائرة، وهو إهمال البريد اليومي الذي يتعلق بمصائر الناس وتحنيطه، حتى أن بعض الكتب تصدر بعد انتهاء مدة فاعليتها، فيفاجأ المواطن أن عليه مراجعة الدائرة الفلانية قبل يومين من تسلّمه الكتاب الخاص به، المؤرخ قبل شهر من تاريخ تسلّمه !!
يبقى البريد اليومي في مكتب أغلب الوزراء مدة تزيد على الشهر، وبين طيات هذا البريد مايستحق الاجراء السريع خلال يومين وإلا تنتفي الحاجة له بعد ذلك، لكن البريد يبقى اسابيع عند مدير مكتب الوزير ومثلها عند الوزير ليعود لمدير مكتبه ويدخل في سبات طويل، إلى أن يصل إلى شعبة الصادرة ليتسلّمه المواطن ويحتفظ به للذكرى
لا أكثر.
أما السيد الوزير فله دولته الخاصة في طابق من طوابق الوزارة لا يصله أحد قبل أن يحصل على جواز مرور أو رسالة ممن له علاقة بالسيد الوزير او السيد مدير مكتبه؛ وتصل مواجهة او مقابلة السيد الوزير إلى حد الاستحالة، حتى تنتهي مدة استيزاره دون أن يتعرف على عشرة أشخاص على الأكثر في مقر وزارته وليس خارجها.
بعد موجة التظاهرات التي اجتاحت الوسط والجنوب، قدم بعض الوزراء بعض التنازلات لامتصاص الأزمة، لكنّهم لم يتعظوا ولم يغيروا من سلوكهم الإداري ولم يفتحوا ابوابهم للناس عبر مواعيد مقابلات، ولم يغيروا من سياستهم في التعامل مع البريد اليومي.
وهو الأمر الذي ضاعف من تفاقم الازمة، بعد أن صار المواطن يلجأ إلى من يوصله إلى الوزير الفلاني أو المدير العام الفلاني، وهكذا تصبح الأولوية لمن لديه علاقات تقرّبه من صاحب القرار بتمشية أموره، أما من ليس لديه سوى كونه مواطنا، فليس له سوى أن يتشبّث بشبّاك المراجعة الذي غالبا ما يختفي الموظف الذي يجلس خلفه.
كي تعود مياه الوصال بين الشعب والسلطة، وكي يستتب الوضع لا بدّ من تجنّب ما تسبب بهذه الأزمات، لاسيما تلك الفوقيّة التي يتعامل بها أبسط موظف استعلامات مع المواطنين، وهي عدوى من الأعلى يصاب بها أبسط موظف، فبقدر ما يُضطهد وتجلده الانتظارات في باب مسؤوله، يقوم باضطهاد المواطن المبتلى بسياط الروتين التي تجلده كل يوم.
افتح مكتبك ووقع بريدك يا سيادة الوزير، وذلك أضعف الإخلاص.
تنصيص / بعد موجة التظاهرات التي اجتاحت الوسط والجنوب، قدم بعض الوزراء بعض التنازلات لامتصاص الأزمة، لكنّهم لم يتعظوا ولم يغيروا من سلوكهم الإداري ولم يفتحوا أبوابهم للناس عبر مواعيد مقابلات، ولم يغيروا من سياستهم في التعامل مع البريد اليومي