مجالس الطرفة

الصفحة الاخيرة 2018/11/20
...

حسن العاني 
 
منذ ست سنوات او سبع، من باب الاحتجاج السلمي على مخلفات الاحتلال الاميركي للعراق (طائفية مذهبية وتعصب ديني وقومي وفوضى ديمقراطية وقاعدة وداعش) قررتُ أنا ومجموعة من الاصدقاء النأي بأنفسنا عن أي مكان تأتي منه الريح، واغلقنا ابوابنا، وحظينا بالامن والامان وراحة البال، وكنا جميعاً قد بلغنا اعماراً يصح أن نسميها (اكسباير)، لكون الشاب منا، أعني صغير العمر، جاوز الخامسة والستين، ولعل مسألة التقارب في السن، والانتماء الى جيل فارق ثلاثة ارباعه الحياة، أوجد الفة بيننا، وقدراً عظيماً من التفاهم... ولكي نعوض عن متاعب هذه العزلة او السجن الاختياري، فقد عمدنا الى إقامة مجلس اسبوعي يتم انعقاده بالتناوب، ولعل واحداً من اسباب نجاح المجلس وانتظامه، كوننا من محلة واحدة، وبيوتنا متقاربة..
أجافي الحقيقة لو قلت ان شلتنا العجائزية تعنى بالقضايا الوطنية او الفكرية او السياسية أو الثقافية، فقد كان الجو العام للقاءاتنا ذا طابع ترفيهي، ومع علمنا ان هذا الموقف يدلل على اننا سلبيون انهزاميون، ولكن ما بقي في العمر ما يتحمل التعب النفسي والاجهاد الفكري... ومع الايام انبثق نظام لمجلسنا سرعان ما أصبح (عرفاً)، ففي الساعة الاولى نرجع الى عنتريات الشباب، وبالذات بطولاتنا العاطفية، التي يقوم اغلبها على المبالغة، وعلى حكايات لا نصيب لها من الصحة، ولكننا دأبنا على تصديق بعضنا البعض، اما ما يتبقى من الوقت، ويمتد عادة إلى قرابة ثلاث ساعات، فمخصص للمزاح والضحك وسماع النكات والتسرية عن النفس بشتى وسائل المرح، والغريب حقاً ان النكات (الفاضحة) تستهوينا أكثر من غيرها، وكان من الطبيعي بحكم اعمارنا المستهلكة ان نقع ضحية النسيان، ولهذا قد نسمع طريفة ما في هذا الاسبوع ونضحك، ثم نسمعها مجدداً في الاسبوع الثاني والثالث وعلى مدى اسابيع، ونضحك بالقوة نفسها... وهذه لمن لا يعرف، إحدى فضائل
 الشيخوخة!!
تحضرني الان احدى النكات التي تكررت اعادتها اكثر من عشر مرات، وتعود الى عقد التسعينات من القرن الماضي، وسنوات الحصار القاسية، ومضمونها ان قروياً قَدِمَ الى بغداد، ومعه خروف ينوي بيعه، ولأن الخروف كان سميناً متعافياً، فقد استدعى ذلك انتباه (السيطرة)، فسألت الرجل عن سرّ تلك العافية.. اخبرهم على سجيته (انا أطعمه الحنطة)، وفي الحال ثارت ثائرة السيطرة، وكادت تعتقله، لان الناس لا تجد خبزاً تأكله، وهو يقدم الحنطة لخروفه، لولا الركاب وتوسلاتهم، وفي السيطرة الثانية تكرر السؤال نفسه، فحاول القروي الكذب عليهم والتخلص من ورطة (الحنطة)، ولذلك قال لهم (انا اطعمه التمن)، فثارت ثائرتهم بصورة اعنف هذه المرة، وكادوا يعتقلونه لولا الركاب، وعند السيطرة الثالثة، حيث تكرر المشهد، قال لهم: لا أعرف ماذا يأكل، فأنا اعطيه فلوس وهو يذهب الى المطعم!!بالتأكيد كنا على الدوام نحمد الله ونشكره، لأن قوانين البلد لم تشمل المجاميع التي تضحك مثلنا، حتى بدون سبب احياناً، بالمادة (4) إرهاب أو المساءلة والعدالة...