أفلامٌ أحبَّها الجمهور العراقي قديماً و لا أحَّد يتذكرها اليوم

الصفحة الاخيرة 2018/11/20
...

بغداد/ صفحة سينما /
عرف العراقيون السينما مبكرا، وانبهروا بها كما هي حال كل شعوب الارض، الذين شاهدوا الصور وهي تتحرك على الشاشة البيضاء، لاول مرة، مطلع القرن العشرين، اذ تأسست العديد من دور العرض السينمائية، فشاهد الجمهور افلاما اميركية واوروبية، وافتتحت مكاتب لشركات هوليوود الكبرى على شاكلة: " كولمبيا "، و" غولدين ماير"، و" وارنر برذر"، و" فوكس" في بغداد، وتهافت الناس على مشاهدة الافلام  في السينمات لتتحول الى واحدة من  مسراتهم الاثيرة، البغداديون وجمهور المحافظات، هذا الاهتمام بهذه البدعة الجديدة والساحرة، لم تصاحبه محاولة صناعة افلام محلية، مثلما حصل في مصر وايران وتركيا، قبل ان يبادر بعض الهواة وعشاق الفن السابع، الى محاولة انتاج افلام عراقية خالصة، وحققوا ذلك بعد ان شاركوا في فيلمين مع شركات انتاج مصرية، فكان فيلم "ابن الشرق"(1946) ، و "القاهرة بغداد" (1947)، بعدها انتجوا فيلما عراقيا خالصا، عدا الاخراج والتصوير، هو "عليا وعصام" (1948) لتستمر المحاولات وتتراكم الخبرة فعلى مدار قرن من الزمان، تم انتاج (100 ) فيلم معظمها تجارب بسيطة، ليس لها اهمية سوى اهميتها التاريخية والتوثيقية، فيما حققت افلام اخرى نجاحا على صعيد شباك التذاكر والجودة الفنية والموضوع، اذ احبها جمهور الخمسينيات والستينيات والى حد ما السبعينيات، لكن لا احد يتذكرها  الان منها: " عليا وعصام"، و" سعيد افندي"، و" الجابي"، و" من المسؤول"، و "فتنة وحسن".
 
«عليأ وعصام»
يمكن اعتبار"عليا وعصام" (1948) الذي اخرجه الفرنسي اندريه شوتان وصوره جاك لامار، فيلما عراقيا رائدا، اذ كتب سيناريو له الأديب العراقي أنور شاؤول عن قصة روميو وجوليت بلغة بدوية محلية، ومثل فيه إبراهيم جلال وجعفر السعدي وعزيمة توفيق وفوزي محسن الأمين، وعرض في العام 1949 على صالة سينما روكسي في شارع الرشيد، وهو من انتاج استوديو بغداد الذي تملكه عائلة سودائي اليهودية، صاحبة مجمع روكسي.     
وتدور احداث الفيلم حول قصة حب بين عليا (عزيمة توفيق) وعصام (ابراهيم جلال) اللذين كانا يرعيان الغنم وتعاهدا على الزواج، تخبره امه ان اباه قتل وان قاتله هو والد حبيبته، فيسرع الى قتله، فتهرع عليا اليه وتطلب منه ان يثأر لابيها المغدور، فيجيبها: "حالا" ثم يغرز سيفه في قلبه، عندها تنتحر عليا وتلحق بحبيبها. اهمية الفيلم لاتنبع من ريادته وحسب، انما من تراكم الخبرة لدى صناع السينما العراقيين المشاركين في الفيلم، اذ كان يحيى فائق مساعدا للمخرج، وعبد الخالق السامرائي مهندسا للصوت، وغيرهم، وهؤلاء سيتحولون الى صناع سينما مهرة.   
 
سعيد أفندي
  لا يختلف اثنان على ان فيلم "سعيد أفندي" (1957) للمخرج كاميران حسني، هو الاهم والانضج في تاريخ السينما العراقية، وهو ينتمي الى افلام الواقعية الجديدة، وعلى الرغم من بساطة قصته التي كتبها ادمون صبري وأفلمها يوسف العاني، الذي كان ممثلا رئيسا في الفيلم مع الفنانة زينب (فخرية عبد الكريم)، نجح الفيلم نجاحا كبيرا لانتقاده العميق لمشاكل المجتمع من خلال علاقة معلم بسيط بجاره الاسكافي، فضلا عن تصويره الحياة الشعبية في بغداد، اذ صور مشاهده في محلة الحيدرخانة العريقة.
ونجح حسني في تحويل هذه القصة البسيطة الى سرد بصري جميل ومشوق، وبذا يمكن القول ان "سعيد افندي" هو فيلم يقتفي اثر الواقعية الايطالية الجديدة، التي اشتهرت بتصوير افلامها في الاماكن الحقيقية، وتوظيف الانارة الطبيعية، 
واستخدام ممثلين غير محترفين، والاعتماد على السرد التتابعي واللقطات الطويلة، وكل هذا حصل في رائعة كاميران حسني.      
 
الجابي
يعد فيلم " الجابي" الذي اخرجه جعفر علي بعد ستة أشهر من تأسيس مصلحة السينما والمسرح، من اوائل الافلام التي تنتمي الى اسلوب الواقعية الجديدة التي كان علي مغرما بها، فليس فيه حكاية بالمفهوم التقليدي ولا أحداث متشابكة، إنما هو يوميات "جابي" يعمل في مصلحة نقل الركاب رقم 23 اسكان، بدءا من انطلاقه فجرا من المرأب، ومرورا بمحطات متعددة، حتى وصوله الى محطته الاخيرة الاسكان، وما يحصل لهذا الجابي البدين خلال هذه الرحلة التي تستمر يوما واحدا من مفارقات ومعاناة.    عانى المخرج كثيرا من فقر وبؤس مستلزمات الانتاج، التي لم ترتق الى طموحه واتساع مخيلته، لذلك لم نجد لغة سينمائية توازي ذلك، لكن الذي أنقذ الفيلم من الفشل، هو الحوار الذي جاء واقعيا وجميلا وتلقائيا، اذ تميزبالخفة والمرح   ما جعل المشاهد مشدودا لاحتدامات الحدث على الرغم من محدودية المكان. هذا الحوار اعتمد ممثلين بعضهم كان يمثل لاول مرة، الا انهم امتلكوا الموهبة والحماس ليرتقوا بعملهم الى مصاف الافلام المعتبرة، ونجح المصور نهاد علي بتصوير لقطات من زوايا حرجة، إذ تنقلت كاميراته برشاقة وحيوية  متجاوزة ضيق المكان واكتظاظه (باص المصلحة)، اما المونتاج فكان سيد العمل في الفيلم، حيث نجح المونتير صبيح عبدالكريم بالقطع و التركيب بطريقة مبتكرة وسلسلة اعطى التتابع لاحداث الفيلم حراكا وحيوية. الفيلم انتجته مصلحة السينما والمسرح في العام 1968، ومثل فيه اسعد عبد الرزاق وجعفر السعدي، ووضع له الموسيقى سلمان شكر وحسين قدوري.
 
«فتنة وحسن»
تنبع أهمية هذا الفيلم من كونه يمثل أول انتاج سينمائي عراقي خالص، اذ انتجته شركة "دنيا الفن" التي أسسها بطل الفيلم ياس علي الناصر واخرجه حيدر العمر، وهو من تمثيل مديحة رشدي وغازي التكريتي، وعرض الفيلم في سينما "الحمراء" و"الهلال" و"القاهرة " بتاريخ 20/6/1955.
وهذا التاريخ يحتفل فيه صناع السينما العراقيون كل عام باعتباره عيدا للسينما، وقصة الفيلم تقليد لسياق الافلام المصرية الميلودرامية، اذ يحكي قصة حب حسن (ياس علي) لابنة عمه فتنة (مديحة وجدي)  ومحاولة امها افشال هذه العلاقة وتزويجها لابن اخيها، فتحصل مفارقات ثم تعود الامور الى مجراها  فيتزوج الحبيبان، صور الفيلم وليم سابيمون ونفذه حيدر العمر وفق اسلوب واقعي، اذ وظف اللقطات الطويلة والعامة، والاضاءة الطبيعية، فضلا عن تصويره مشاهد في  المواقع الحقيقية،  نجح الفيلم في عرضه الاول والعروض اللاحقة، محققا ايرادات غير مسبوقة. 
 
«نعيمة»
أسس المخرج الرائد عبدالجبار ولي، الذي درس السينما  في اميركا، مع  حقي الشبلي ابراهيم جلال  شركة "سومر"  وشرع في اخراج فيلم بعنوان "ابناء جيل"   يتحدث فيه عن تطلعات الشباب، وفعلا صور بعض المشاهد، لكنه عدل عن ذلك لازمة مالية خانقة ألمت بالشركة ،وفي محاولة منه لإنقاذ الموقف، قرر اخراج فيلم جماهيري، بعيدا عن التنظير والنوايا الحسنة، فاخرج في العام 1962 فيلما اسماه  " نعيمة " مثل فيه سلمان الجوهر وخولة عبد الرحمن، وكتب  قصته المسرحي العماري جواد  الغافلي،  وتدور احداثها حول شاب ريفي يعشق فتاة من الهور، يتقدم لخطبتها، الا انه  بالتقاليد العشائرية (النهوة)، وبعد مكابدات حقق حلمه بالزواج من محبوبته،  ازدحم الفيلم بأغان لنجوم الطرب يومذاك؛  داخل حسن، وجواد وادي، وعبد الواحد جمعة،  فضلا عن استعراضات الرقص الغجري.  عرض الفيلم في سينما الخيام ونجح نجاحا غير مسبوق، وحصل على ايرادات جيدة، كذلك تهافت اهالي لواء العمارة آنذاك، على مشاهدته، اذ استمر عرضه طويلا، بواقع دورين في اليوم، وصار حديث الناس في كل مكان، فأحداثه تقع في اهوار العمارة، ومعظم الممثلين والفنيين منها، حتى ان المطرب الريفي نسيم عودة كان ينقل فريق العمل بسيارته الخاصة.