تراجيديا استوديو بغداد

الصفحة الاخيرة 2018/11/20
...

علي حمود الحسن/
شاهد العراقيون، لأول مرَّة، الصور المتحركة مطلع القرن العشرين، وبالتحديد ليلة الأحد 26 تموز 1909 في دار الشفاء بالكرخ، فأعجبتْ العروض رجال أعمال يهوداً، كانوا قد اطلعوا على "المسارح " الأوروبيَّة، فقرر أحدهم ويدعى بلوكي عرض (الألعاب الخياليَّة) ليشاهدها الناس بموجب بطاقات، في بستان يقع وسط بغداد، الذي تحول في ما بعد الى سينما "بلوكي" نسبة الى أحد تجار مكائن الخياطة المعروفين في بغداد، الذي وجد في استثمار أمواله في هذه البدعة الجديدة، ما يأتي بالفائدة عليه والمتعة للناس، فكانت "بلوكي" هي أول دار عرض تفتح في بغداد، ليتوالى إنشاء دور العرض السينمائيَّة على شاكلة سينما "الميدان"، و"اولمبيا"، و"سنترال"، و"العراق"، و"رويال"، ومعظم هذه السينمات، أنشأها يهود عراقيون فضلاً عن رجل أعمال مسلمين ومسيحيين، وسبب ذلك يعود في تقديري الى أنَّ اليهود بحكم الخبرة الاقتصاديَّة المتراكمة واحتكاكهم بالثقافة الغربيَّة، وعوا مبكراً أهمية هذا الفن الوافد، فاستثمروا رؤوس أموالهم فيه، ونجحوا في ذلك الى حدٍ كبيرٍ، فقد شهدت عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، حراكاً سينمائياً غير مسبوق، حتى وصل عدد دور العرض في بغداد وحدها الى أكثر من أربعين دار سينما، فضلاً عن شركات استيراد وتصدير وإنتاج الأفلام، معظمها يملكها رجال أعمال وأثرياء يهود، وبحسب ما ذكره البروفيسور سامي موريه فإنَّ أسرة سودائي اليهوديَّة وبيت مسيح الأرمنيَّة، أسهمتا في بناء مجمع روكسي (سينما ركس وروكسي وملهى ركس) (1932) في شرع الرشيد، وأنشأت أسرة شولايو سينما" الوطني" ( 1927 )، وشيدت أسرة عزار (شاؤول وكامل قوبي) سينما "غازي" (1937)، فيما أسست أسرتا جورجي أيام والدوري، سينما "الرافدين" (1935) التي بنيت على أنقاض سينما سنترال (1920) بعد أنْ احترقت، وافتتح الاخوان صهيون ويعقوب شالوم سينما "التاج الصيفي" (1947)، وتأسست شركتان مهمتان لو قدر لهما الاستمرار لتغير حال صناعة السينما العراقيَّة الى غير ما آلت إليه، الأولى شركة "السينما البغداديَّة" التي امتلك أسهمها أربعة أرجال أعمال يهود، والثانية شركة "استوديو بغداد لإنتاج الأفلام العراقيَّة" التي أسستها عائلة سودائي، صاحبة الفيلم العراقي الرائد "عليا وعصام" (1948)، وانتهى هذا الاستوديو الفخم الذي أنتج فيلماً آخر هو "ليلى في العراق" (1949) نهاية تراجيديَّة، إذ نشرت إحدى الصحف المصريَّة خبراً مفبركاً مفاده أنَّ استوديو بغداد، الذي يقع بالقرب من معسكر الرشيد ويمتلكه اليهود يستخدم للتجسس على المعسكر، ما أدى الى غلقه، وبحسب كامل سوادئي أحد أبناء هذه الأسرة، فإنَّهم شاركوا أنطون مسيح الأرمني فشيدوا مجمع روكسي، الذي يضم (روكسي وركس وملهى روكسي)، فضلاً عن صالة صغيرة خاصة للرقابة، إذ يتم فحص الأفلام قبل عرضها، وكذلك يتضمن المجمع مكاتب للشركات العالميَّة على شاكلة "متروغولدن" و"الاخوة وارنر" و"كولمبيا"، و"فوكس للقرن العشرين".