محمد شريف أبو ميسم
باتت الإصلاحات الاقتصاديَّة مطلباً ضاغطاً في سياق المعالجات التي ينادي بها الجميع في هذه المرحلة التي تشهدها البلاد، وقد تجلى ذلك من خلال المطالب الجماهيريَّة ومطالب المرجعيَّة، ثم من خلال المقترحات التي قدمتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بعد اجتماع في مجلس النواب ضم رئيس المجلس ونائبيه وزعماء الكتل النيابيَّة الأربعاء الماضي مع ممثلة بعثة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، التي عرضت جملة من المقترحات تضمنت إجراءات على محاور عديدة كان من أهمها الإجراءات الإصلاحيَّة في الشأن الاقتصادي، ومن أبرزها ما يتعلق بملف مكافحة الفساد وتشريع قانون (من أين لك هذا؟) وقانون للضمان الاجتماعي ووضع إجراءات حل مشكلة السكن موضع التنفيذ وتشريع قوانين النفط والغاز ومجلس الإعمار وتعديل قانون تشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وترتبطُ هذه المقترحات في سياق خطط إصلاحيَّة قصيرة الأمد وأخرى متوسطة في الجوانب السياسيَّة والأمنيَّة، ما يجعلها ذات أولويَّة في المشهد الإصلاحي، إذ لا يمكن الشروع بإصلاحات سياسيَّة قصيرة أو متوسطة ما لم يتم العملُ بملفات اقتصاديَّة ذات صلة مباشرة بمعالجات الفساد وتشريع قانون (من أين لك هذا؟)، الأمر الذي يمكن أنْ يمهدَ لأرضيَّة مناسبة لحزمة الإجراءات الأخرى، فتكون إمكانيات النجاح متاحة بهدف الوصول الى غايات تحقيق العدالة الاجتماعيَّة من خلال تشريع قانون ضمان اجتماعي عادل وإيجاد حلولٍ سريعة لمشكلة السكن وسواها.
وفي المدى المتوسط سيكون تشريع قوانين النفط والغاز ومجلس الإعمار وتعديل قانون تشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص، دعائم رئيسة لتكامل ملامح المشهد الاقتصادي وإعادة تشكيل العلاقات الاقتصاديَّة بالتزامن مع تطبيق القوانين التي شرعتها البرلمانات السابقة من قبيل (حماية المنتج المحلي، حماية المستهلك، تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار، قانون العمل..) والتي بتطبيقها يمكن أنْ تتشكل علاقات عناصر السوق ويغادر المشهد الاقتصادي حالة الإرباك، الأمر الذي يمكن أنْ ينسحب إيجاباً على بيئة الأعمال والنشاطات الاقتصاديَّة بما يمهد لنمو اقتصادي حقيقي لا يعتمد الريعيَّة في الإيرادات والحسابات الكليَّة، وذلك من خلال مساهمة القطاعات الحقيقيَّة والقطاعات الساندة لها في الناتج المحلي الإجمالي.
بيد أنَّ هذه الطموحات تعتمد بالدرجة الأساس على وجود إرادة وطنيَّة قادرة على المضي بالخطوات اللازمة التي باتت صيرورتها أمراً واقعياً في ظل الفرصة التاريخيَّة التي صنعتها الإرادة الجماهيريَّة، ما يجعل خطوات إصلاح المشهد الاقتصادي ذات صلة وثيقة بإجراءات إصلاح المشهد
الكلي.