رضا المحمداوي>>>
قليلةٌ هي الأطاريح والرسائل الاكاديمية الجامعية التي استطاعتْ ان تعبرَ أسوار الجامعة لتكون قريبةً من العمل الدرامي الميداني ؛ وبالمقابل هناك نسبة ضئيلة من الأعمال والشخصيات الدرامية التي استطاعتْ ان تنسحب من على شاشة التلفزيون لتكون محوراً أو مركزاً لتجمعَ بينَ الاطارين الدراميين النظري والتطبيقي معاً في الدراسة الاكاديمية من خلال عمل درامي مُجّسد درامياً .
وأحسبُ ان كتاب (الشخصية النموذجية في الدراما التلفزيونية ) للدكتور: صالح الصحن هو واحد من هذه القلة القليلة التي نجحتْ في اجتياز أسوار الجامعة لتضعَ بين يدي القارئ - المُشاهِد التفاحتين
معاً .
الأطروحة أو الدراسة التي كتَبَها الدكتور صالح الصحن كانتْ لمتطلبات نيل شهادة الماجسير عام 2006 ، وأخذت عيّنةً أو نماذج َ من الدراما التلفزيونية بمسلسلين كان لهما طابع التمّيز والأثر العميق لدى المتلقي ، وهما المسلسل العراقي ( عالم الست وهيبة) لمؤلفهِ:صباح عطوان ، ومخرجهِ:فاروق القيسي ، ومن بطولة فوزية عارف وستار البصري ،والمسلسل المصري ( العّمة نور) لمؤلفهِ:محمود ابو زيد ، ومخرجهِ عادل الأعصر وتمثيل: نبيلة
عبيد .
تتأتىّ أهمّية الشخصية الدرامية في العمل الفني من كونها تُشكّلُ النواة الصلبة التي يدورُ حولها السرد الدرامي بعناصرهِ وعواملهِ المُكونّة للـ(حدث) والباعثة على نثر بذور (الصراع) وتشييد (الحبكة الدرامية) ودعم مرتكزاتها ، فليستْ هنالك من حبكة درامية متينة وقوية دونَ ان تكون هناك شخصية درامية مؤثرة ، ومتحركة ، وفاعلة ، ومقنعة تعمل على زيادة التوتر في إيقاع العمل الفني برمتهِ من أجل بلوغ (الذروة)... ومن ثم الوصول الى (النهاية)حيث يتوجب إيصال (رسالة) العمل الفني أو المعنى الكلي له أو فكرته الرئيسة .
ومن خلال المنهج الذي اختطهُ المؤلف لكتابهِ فقد خصّصَ الفصول الثلاثة ألأولى منه للتمهيد من أجل الدخول الى منطقة العلم بقوانينهِ واشتراطتهِ وأسسهِ المعرفية القائمة على التجريب واستخلاص النتائج العلمية المثبَتّة بالارقام والجداول والاحصاءات، خاصة وأنه يتوقف طويلاً عند مفهوم ( الشخصية) كمصطلح ومفهوم علمي ويتّخذ ُ من مداخل علم نفس الشخصية على وجه التحديد منطلقاً له ، ومن ثم يغوصُ سايكولوجياً في تأكيد وطرح مفهوم (الشخصية)، وبعدها ينتقل الى المفهوم السسيولوجي للشخصية والمؤثرات الداخلة في تكوين الشخصية الانسانية ، حتى أنهُ يلامسُ (الشخصية) بجوانب ومفاهيم أنثروبولوجية تعتمد على المهارات والعوامل الثقافية العامة التي تشكل مرجعيات لبناء النموذج
الانساني .
ويشكلُ الفصل الرابع المُعّنون بـ( النماذج التحليلية للدراما التلفزيونية العربية) أهّم فصول الكتاب وأكثرها حيويّةً من خلال تحليل النماذج في المسلسلين المذكورين آنفاً ، ومن ثم يقوم بتنظيم نتائج التحليل التسع التي توصّل اليها المؤلف - الباحث للشخصيات الدرامية التي اخذها كعيّنات نموذجية من مثل(وضوح السمات..وقوى الصراع..والحضور...ونقد الواقع..والشكل الخارجي.. والاهتمامات الذاتية.. وغيرها) ، حيث تتجسّدُ القيمة العليا لتلك النماذج نظراً لما تنطوي عليه الشخصية النموذجية من أقوال وأفعال وسلوك
واهداف .
ويتّمُ الإستدلال على ذلك ودعم النموذج الدرامي من خلال أرقام الحلقات والمَشاهَد التي إنطوتْ على التجسيد الدرامي للشخصية النموذجية وبواسطة ذلك التجسيد والتطبيق العملي تتجّلى قوة الاسس والنظرية والقواعد الدرامية التي اعتمدها المؤلف والمدعومةً بالتطبيق العملي المأخوذ من العملين الدراميين اللذين خضعا للدراسة والبحث
والتطبيق .
النتيجة الأساسية والمهّمة التي يمكن التوصل اليها بعد القراءة العميقة والمتفحصة للكتاب تكمنُ في ان بناء الشخصية الدرامية في العمل الفني ليستْ عمليةً سهلةً أو بسيطةً أو في متناول اليد كما يتصور الكثير من الناس ، ذلك لأن الشخصية الانسانية في الواقع والحياة اليومية عبارة عن تركيبة مُعّقدة من عدة عوامل قد تكون متناقضةً أحيانا وغير مقبولة ، لكن رغم ذلك تبقى تلك الشخصية منطقية ومنسجمة مع حياتها وواقعها اليومي مع ما يعترض وجود تلك الشخصية الانسانية في الحياة الواقعية من مشكلات وعوائق وازمات ... وتلك والله هي دراما الحياة التي
نحياها .