مطالبات

ثقافة 2019/11/19
...

عالية طالب

إن كان الوسط الثقافي هو الصوت الذي يؤشر ثغرات المجتمع  ثقافيا واجتماعيا ومعرفيا ويسلّط الضوء عليها وينادي بتحسينها، فإنّ علينا أن نجد جوابا لسؤال مهم يقول: كيف يحدث التغيير لدى من به خلل؟.
واقعنا الثقافي يقع ضمن المنظومة المجتمعية، ولا يختلف ما يعانيه المشتغلون بهذا الوسط عن المجمل العام إلّا في حدود التخصص، إذ تتشابه أزماته بنسبة او بأخرى مع الآخر في فقدان الأمن الثقافي الذي يتحقق عبر الأمن الاجتماعي الذي يؤسس البناء السليم للإنسان في المستويات كافة.. وتتباين صور المعاناة بأوجه لا يمكن حصرها بمقالة قصيرة لكونها تتطلب دراسات متخصصة ترسم الأسس الصحيحة للعقل المنتج للإبداع الذي يسهم في تصدير مفهوم الجمالية والفكر والارتقاء الفني والمعرفي والثقافي لمجتمع يحتاج الكثير لتحسين أدائه العام.
لا يمكن للتجمعات الثقافية والادبية ان تعمل في منطقتها الخاصة دون ان تتسع مديات الاستقبال الايجابي اعتماداً على مستويات الارسال المنظم والفاعل من خلال قواعد الارساء الثابتة والتي يتوجّب أن لا ينالها التغيير تحت تأثير تبدل المؤسسة الثقافية الرسميّة سواء أكانت داعمة أو مساندة أو على الاقل تعلن اهتمامها بالشأن الثقافي وتؤكد أهميته في احداث التغيير الايجابي حيثما تواجد
 وازهر. 
واقع الحال يشير الى ان المثقف يعالج ازماته بنفسه غالبا، ونادرا ما يفكر بالاتكاء على تنظيم أو مؤسسة رسميّة داعمة ومؤازرة، كما انه يكافح لتوفير وقتٍ مجدٍّ لاستمرار نتاجه بعيداً عن المطالبة بمشروع التفرّغ الابداعي الذي نادى طويلا به ولم يصل الى استجابة واضحة، ومن أجل هذا النتاج ايضا فإنّه يقتطع من مردوده الشحيح أصلا ومن قوت أسرة ليطبع كتابا او ينحت عملا او يرسم لوحة، ويقبل بدخول منطقة القابض على الجمر وصولا الى رؤية عمله النور، وهو ما يدور في دوامته مع كلّ مشروع إبداع
 جديد.
لا تأمين اجتماعياً للعاطل عن العمل منهم ولا صحياً وهو ما يتشارك به واقعا مع كلّ المنتمين للوطن، ويسفح وقتا هائلا في العمل في مؤسسات إعلاميّة تؤمّن له جزءا يسيرا من احتياجاته ويتغافل عن استغلال عقله المبدع واسمه المميز حفاظاً على ديمومة حياة الكفاف المجبر
 عليها.
لا يسأل عنه أحد ان تقاذفته الحياة وغيبته، ولا يحتفى به ان حضر وكأنّه شخص غير مؤثر في مجتمع لا يعرف جيدا قيمة المثقف ودوره الفاعل.
لا أحد يشركه في قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل بلده، ولا تتم الاستفادة من عقله في إرساء مفاهيم السلام والجمال والفنون والاداب، ولا يدخل ضمن ما يشغل خطة الدولة وكأنّه عنصر زائد عن الحاجة وما علينا إلّا إهماله ليصمت بلا عودة.
المثقف الذي يترجم معاناة الانسان وهمومه ويقول للمستلب أكبر "لا" ويشمخ صامداً في وجه كلّ ما يتعرّض له من اغتراب وتجاهل واقصاء وتهميش، وينال واقعه كثيرا من السهام الصدئة التي تعتقد أنّها ستحقق اغتيالا ناجحا لكنّها لا تدري ان عقل المثقف كان وسيبقى قادرا على فتح المغاليق والولوج للغد مهما وضعت في طريقه من عراقيل ومصدات أثبتت أنّها واهية وان صخرة سيزيف التي يحملها على ظهره عوّدته أن يصعد ولا يتراجع خائباً أبداً.