التجربة السياسيَّة بعد العام 2003 – محاكمة عادلة

آراء 2019/11/20
...

عدنان فرج الساعدي  
 
تنطلق في أرجاء البلاد تظاهرات شبابية وطلابية مطالبة بتحقيق مطالبها في العمل والسكن والعيش الكريم ومكافحة الفساد الذي استشرى بشكل كبير في مؤسسات الدولة مع اصلاحات في النظام السياسي الذي انبثق بعد إسقاط النظام الديكتاتوري السابق الذي  حكم البلاد بالحديد والنار.
هذه التظاهرات التي عمت بغداد والمناطق الوسطى والجنوبية طالبت بعضها باسقاط النظام بالكامل وإزاحة جميع الاحزاب التي شاركت في العملية السياسية منذ عام 2003 ووافقهم في ذلك بعض المحللين السياسيين الذين ظهروا في الفضائيات وهم ينتقدون (حكم الاحزاب) للبلاد فيما ان هذه الاحزاب بالواقع هي ممثلة للطوائف والمكونات  المجتمعية العراقية وهذا التمثيل واضح في كابينات الحكومات المتعاقبة او في مجلس النواب او في مجمل الدرجات الخاصة في وزارات الدولة ومؤسساتها.
لذلك ننصح من يصرّ على القول بأنّ مشاكل البلاد بسبب (حكم الاسلاميين) الى مراجعة نفسه، فإنّ هذا المرتكز لا يمثل الحقيقة اطلاقا وهو واهن جداً. فمتى كان الاسلاميون وحدهم في الحكم ومتى كانت هذه الطائفة او تلك هي الحاكمة، بل ان الحقيقة التي لا تنكر ان  الجميع شارك من أقصى اليمين الى اقصى اليسار.                                                                                                                                          فإن كان الكلام عن فشل فهو فشل الجميع، واما اذا كان الكلام عن نجاح فهو انجاز للجميع.
ونحاول قدر الامكان أن نحاكم التجربة السياسية محاكمة عادلة غير متأثرة بالعقل الجمعي الذي يتحدث بأمور خارج العقلانية والاطر العملية المهنية في حسابات الربح والخسارة في هذا الجانب المهم من تاريخ العراق الحديث.
فنحن ننظر الى التجربة انها اعتراها الكثير من الجوانب السلبية وعانت من النواقص الكثيرة وزاحمتها الكثير من التحديات ومنها آفة الفساد والمحاصصة التي فتكت بالاقتصاد العراقي وفي البنية
 الاجتماعية.إلا أنّنا في الوقت نفسه لا يمكننا أن نحكم عليها بالفشل الذريع التام والمطلق فقد تمّ تحقيق العديد من المنجزات في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والتنموية والحريات.يقول الامام الشافعي رضي الله عنه (عينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة / وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاويا)
ومناسبة هذا القول هو أنّنا رأينا أجندة معادية دخلت على الخط لتشوه كل شيء مع حشد كبير من المحليين والكتاب والناشطين ينشرون ويركزون على  الجوانب السلبية  فقط، بل ويضخّمونها ثمّ اصبحوا اداة ترويجية وتثقيفية نحو السلبية بحيث أصبح أغلب المواطنين العراقيين ينتهجون هذا النهج واغلبهم دون دراية او تمحيص.
لقد واجه النظام السياسي الجديد تحديات كبيرة جدا وهائلة ألقت بظلالها على المشهد بجميع جوانبه الامنية والسياسية والاقتصادية فوجود 150 الف  جندي اميركي مع سيطرة كاملة على الارض والجو  كان يمثل تحديا  كبيرا  وضاغطا.                                                                 
ثمّ ما لبثت أن انبعثت مقاومة لهذا الاحتلال مع اعمال عنف شاملة في بغداد والمناطق الوسطى والفرات الاوسط والجنوبية قادتها القاعدة والتنظيمات المتطرفة أدت الى الآلاف من التفجيرات والحوادث الارهابية شملت الاسواق والجامعات والمجمعات والوزارات والمدارس والجوامع والحسينيات والمراقد وجميع المرافق الاجتماعية إذ مثلت تحديا كبيرا للحكومات مع أنّها لم تستكمل بناء الجيش والاجهزة الامنية والشرطوية إلّا في وقت
 متأخر.
 ومع ذلك فقد شابت عملية التأسيس العديد من المشاكل في موضوعات الفساد والمحسوبية والمنسوبية والاختراق وحتى التسليح، إذ تعمّدت الولايات المتحدة تأخير تسليح الجيش والقوى الامنية وحسب اعتراف المسؤولين العراقيين وحتى وسائل اعلام اميركية اشارت الى
 ذلك..مع نشوب حرب طائفية مؤسفة بعد تفجير المرقدين العسكريين عليهما السلام في سامراء عام 2006، وكارثة جسر الائمة والقتل على الهوية في مناطق عديدة في المحافظات انتهت الى غير رجعة بإذنه تعالى.     عموما نعتقد أنّ مراجعة سريعة لموقع الجهاز المركزي للاحصاء الالكتروني تثبت أنّ العديد من المنجزات الاقتصادية والتنموية والخدمية والمعاشية قد تحققت للفترة من عام 2003  الى عام 2019 وقسمٌ منها على وشك الانجاز مع الاشارة الى النقص الكبير في ملفات عديدة في البنية التحتية والاسكان والفقر.
     وقد يستغرب حتى الاعلامي من الارقام حين يراها ويعتقد أنّها مفبركة ولكنّها حقيقية ولكن طواها النسيان نتيجة التعمّد في عدم الاشارة اليها  ونتيجة الضغط الاعلامي السلبي الهائل والتسقيط بين الاحزاب  المشاركة وغير المشاركة في الحكومات على حد
 سواء.