الكفاءة في سوق العمل لها سعرها. لننتبه من البداية، (الكفاءة)، وليست الشهادة، هي المعنية. يعني؛ لو كان هناك (أسطة) حلويات يعمل لدى مَحل حلويات شهير، يبيع الكيلو الواحد من هذه الحلويات بأربعين ألف دينار (10 % من راتب مُعلم). وهناك من يأخذ هذه الحلويات معه كهدية حين يسافر
خارج العراق.
كم تتصورون ستكون أجرته الأسبوعيّة؟. بالتأكيد ستكون رقماً مهماً، تفرضه شحة السوق وتراجع قدرته على توفير منافسين لهذا الأسطة، الذي قضى سنوات طويلة من الاجتهاد قبل أن ينال هذه المرتبة في
سلّم الأجور.
يأتي نظام الرواتب في أي دولة ريعيّة (اشتراكية سابقة) ليحطّم هذا الأنموذج، وليمنح الرواتب وفقاً لمعايير ليست من بينها الكفاءة، وهنا يُعاد تعريف كلمة (الكفاءة) حكومياً لتحل محلها سنوات العمل. تعداد السنوات التي يقضيها الموظف ضمن الطاعة لسياقات مالك العمل وهو الحكومة (أو الدولة، إذ لا فرق كبيرا في الأنظمة الشمولية
الريعية).
هناك معادل اقتصادي يربط بين المال المصروف على حيازة الكفاءة، وبين الزمن المطلوب لاسترداد الاستثمار.
بعبارة أخرى، كم سيستغرق وَلَدك الوحيد، الناجح في سوق العمل، ليسترد ما تمّ صرفه عليه من أجل ان يحوز الكفاءة؟. الكفاءة التي تدرّ الآن عليه أموالاً نظير عمله. أحد علماء الاقتصاد وَجَدَ مُقاربة أومُعادلة لفهم هذا الاسترداد. في العراق، وبلدان مشابهة يكون (معامل الاسترداد) كبيراً في العادة. 25، أو 30 .
يعني، أننا بحاجة الى وقت طويل لنسترجع أرباح ما تم صرفه على حائز الكفاءة، حتى يتمكن من الاشتغال والنجاح بكفاءته. أمّا في بلدان صناعية – رعوية (Welfare States ). فإنّ هذا المُعامل ينخفض. في الولايات المتحدة مثلاً سيكون 4-5. أمّا في بلدان أكثر تطوراً، وأقل صرفاً على القوات المسلحة والدفاع والشؤون العالمية، فإنّ هذا المعامل يصبح 1.5 - 2.5. بمعنى آخر، فإنّ سوق العمل هناك سيكون (عادلاً) بما يكفي أن يتيح أمام صاحب الكفاءة أن ينتفع بكفاءته، وان يسترد ما صرفه (هو أو أسرته) على حيازة
هذه الكفاءة.
وبخلافه، سيكون سوق العمل يعاني من تسرّب الثروة. أي أن ثروة المجتمع حُفظت ويجري تداولها في كيس مثقوب. ينتفع منها الأقل في كفاءته. وتفوت الفرصة على صاحب الكفاءة الحقيقي كي يعطي نتاج كفاءته على شكل
(قيمة مضافة).
وبالمناسبة، فقط أصحاب الأعمال التي فيها (قيمة مُضافة)، فقط هؤلاء سيتمكنون من صنع فارق اقتصادي للآخرين، زملاؤهم في الوطن من الذين يتمتعون بعوائد الثقب الاقتصادي دون أن يساهموا في تغذية الحزمة الاقتصادية بالمزيد من فرص العمل، والمزيد من الرفاه الممكن للمواطنين
الآخرين.
هذا الأمر موجود لدينا في العراق، ولا تعالجه الموازنات إلّا في ما ندر، أو عبر معالجات هزيلة لا ترتقي الى حجم الثقب الذي يتسرّب منه الامل الوحيد في إحداث تغيير اقتصادي جذري.