هناء العبودي
قدمت منصة رؤيا السينمائيَّة في بغداد مدينة الإبداع الأدبي – اليونسكو، قبل أيام، عرضاً خاصاً لفيلم (الملك لير) للكاتب الإنكليزي شكسبير، الفيلم من بطولة أنتوني هوبكنز وإيما تومسون من إنتاج العام 2018، على قاعة ستي في بيت الحكمة، أدار الندوة الدكتور سعد التميمي الذي ضيَّف فيها الدكتور صادق رحمة محمد المدير التنفيذي للمدينة الإبداعيَّة والتي قدم فيها قراءة نقديَّة للفيلم.
بداية نوَّهَ الدكتور صادق الى أنَّ الفيلم أعيد إنتاجه في العام 2018، وأشار أيضاً الى تحول مسرحيَّة شعريَّة إلى فيلم وتحول لغة شعريَّة إلى فيلم، وقد قدم للعرض في آذار 2016 من قبل الـ"BBC"، والفيلم من من إخراج المخرج والكاتب الإنكليزي ريتشارد اير برؤية إخراجيَّة جديدة تناسب العصر.
والملك لير شخصيَّة أسطوريَّة مولودٌ في القرن الثامن قبل الميلاد، تمتلك قصة الفيلم التلفزيوني الجديد المحاور المعروفة كلها: في أيامه الأخيرة يقرر الملك لير الذي جسد شخصيته الممثل (أنتوني هوبكنز) تقسيم المملكة وتوزيعها بين بناته الثلاث، كل واحدة منهما الثلث: غونيرييل (ايما تومسون) وريغان (ايميلي واتسن) اللتان تتملقانه بشدة في منح كل واحدة منهما الثلث، بينما ترفض ترفض كورديليا (فلورنس بوغ) الموقف برمته قائلة: أنا أحبُ والدي لأنه والدي لا أكثر ولا أقل، في غضب عليها ويرحمنا من الإرث، وقبل أنْ تسير الأمور بشكلٍ مؤلم تتهاوى فيه حياة الملك العجوز.
* فكرة الواقع الموازي ذكيَّة لكنها تترنح في مساحات مختلفة في الملك لير التلفزيوني تحديداً في مسألة الحدود والتفاصيل العسكريَّة والجغرافيَّة والخطوط الفرعيَّة، فلا تكون مقنعة أو مهمة بأي شكلٍ من الأشكال، بل إنها تؤثر بوضوح في إيقاعه وقوته. كذلك فإنَّ الخيارات الفنيَّة تتعارض في ما بينها أحياناً في قلب الصورة الكلاسيكيَّة الرصينة التي يقدمها، حين يتحدث ممثل إلى الكاميرا كاسراً بذلك الجدار الرابع بشكل لا ينتمي إلى القصة والشكل الذي اختاره المخرج، وقد أشار الدكتور صادق الى أنه رغم مرور خمسة قرون عليها لم تفقد مسرحيات وليام شكسبير جاذبية إعادة تقديمها أو اقتباسها في وسائط فنيَّة مختلفة سينمائياً.
في المقابل ما ينقذ الفيلم ويمنحه ثقلاً حقيقياً هو أداء أبطاله. ريتشارد اير يدرك أنَّ هناك بعض أفضل ممثلي بريطانيا في العقود القليلة الفائتة، وأنَّ جميعهم منطلقون من خلفية مسرحيَّة، وأنَّ بعضهم أدى الدور نفسه أكثر من مرَّة على المسرح، لذلك فإنَّ أقوى لحظات الفيلم هي تلك التي يتركهم فيها داخل مساحة واسعة، كأننا أمام مسرحيَّة سينمائيَّة. كما أنَّه يترك المباراة الإدائيَّة تستمر إلى نهايتها فتكون النتيجة رائعة، إذ لا يجد أفضل من أنتوني هوبكنز في الثمانين من عمره لأداء شخصيَّة لير بلحظات صلابته وقوته كملك، ثم انهياره كشيخ عاجز ومصدوم، ولو أنَّ الفيلم سينمائي وليس تلفزيونيا لرشح أداؤه إلى جائزة ''اوسكار''، أما الممثلة ايما تومسون فكانت هائلة، كذلك تؤدي دور الأخت الكبرى بصلافة وحدَّة، ولا يمكن تخيل ممثلة غيرها في مشاهد المواجهة مع الملك لير. وهناك أيضاً الحضور القوي للممثل الكبير جيم برودبنت، وايملي واتسن، وفلورنس بوغ في أداء صارم يمنح العمل الجانب الأكبر من تميزه.