استعادة الدور المفقود

ثقافة 2019/11/22
...

حسين رشيد
 
حصلت تغييرات كثيرة في عالم الكتاب والمثقفين منذ نهاية الحرب الباردة ودخول العالم الى عهد جديد مع تنوع مجالات التواصل والاتصال بين الشعوب، لكن تعبير من هو الكاتب والمثقف بات اكثر تشوشا واكثر صعوبة بالتوصيف والتسمية، لتاتي التحولات السياسية والاقتصادية لتزيد من تلك الصعوبة وربما عقدتها اكثر مما كانت عليها.
في الثقافات المعاصرة المحدثة تلقائيا لازال الكثير من الناس ينظرون الى ضرورة الانصات الى المثقفين، والتوجه بارائهم وافكارهم، التي يعتقدون انها جاءت من خلال المتابعة الدقيقة لما يحدث او سبق ما يحدث حيث يقترب من التنبؤ بما سيحصل نتيجة قرائته الواقع السياسي وارتباطه بالاقتصادي والاجتماعي طبقيا وشرائحيا وهذا يحتم قربه من تفاصيل ما يحدث في ارض الواقع، لا ان يكون في برج عاجي.
وينظر البعض الاخر الى المثقف كمرشد او موجه لخطاب حركة او تجمع، او كقائد لمجموعة او جماعة تعمل على استنهاض الاخرين وشحذ هممهم لفعل ثقافي اجتماعي او احتجاجي مطلبي، كما يحدث في العراق اليوم، لكن هل كان المثقف بمستوى ذلك الحدث، وهل وفق ان يكون في صميمه.
يعج الحاضر الان بالعديد ممن يطلق عليهم مثقفين سواء في الكتابة والطباعة والنشر، او السوشال ميديا من مدونيين وناشطيين في عوالم ومواقع التواصل الاجتماعي وتكوين الراي العام، او عبر النشر الالكتروني الذي هو الاخر اخذ حيزا واسعا في صناعة من يمكن ان نسميهم مثقفين، تكون مشاغل واهتمامات اغلبهم السلطات والسياسية وبعضهم الاقتصاد وجزء يسير منهم قد ينشغل بشؤون الثقافة والفن. لكن لاتزال اشكالية التفريق بين الكاتب والمثقف قائمة، وبين المثقف والمفكر ايضا، وما بينهما فقدت بوصلة مهمة في التاثر والتاثير بالاحداث او المساهمة بصناعة الاحداث المفصلية في حياة الشعوب.
جزء كبير من ذلك ينطبق على الوضع الان في العراق، بما نشهد من حراك شعبي مطلبي احتجاجي، دعا له وتصدره جمع من الشباب الواعي الذي يمكن ان يوضع في خانة جديدة في سلم الثقاقة، جيل منع اي واجهة ان تتقدمه او تتبناه وترسم له خارطة طريق، جيل اكد على دور المثقف المفقود في عراق ما بعد 2003 ان كان فرديا او جماعيا او نقابيا، اذ اكتفى الكثير من الكتاب والمثقفين بما فيهم الثقافة الاكاديمية الى التنظير والكتابة في قشور الوضع العراقي ومداعبة المشاعر بكتابة عقيمة بعيدة عن رؤية مغايرة لما يحدث او عمل تجنع ياخذ على عاتقه التواصل مع كل الشرائح والطبقات المجمتعية، قلة قليلة منهم بحثت في لب الشان العراقي لكن لم يستمر طويلا لجملة من الاسباب.
اليوم وسط تطور وتنوع وسائل الاحتجاج الشبابي المطلبي الشعبي والتلاحم بين مكونات الشعب ثمة محاولات من كتاب ومثقفين لاعادة هذا الدور المفقود، والتواجد بشكل دائم في ساحات التظاهر ومنهم من اخذ يساهم في نسج خيوط هذا الحراك الشبابي وهي حتما محاولات فردية تحتاج للتازر والتكاتف وتبني موقف الشباب وصقله برؤية المثقفين التي يفترض انها مطابقة لما يريده الشباب من حراكهم الفريد وتجربتهم في بناء توجه معارض للنظام السياسي في البلاد.