تطبيق الحكمة الخالدة (الوقاية خيرٌ من العلاج) لتحجيم الفساد وهدر المال العام قد يكون عادة بالغ الكلفة، ففي 12/تشرين الثاني 2019 كشفت لجنة النزاهة البرلمانية عن تقديم هيئة النزاهة (144) تحقيقا الى القضاء، والجميع يعلم أنّ هذا غيضٌ من فيض، إذ اتخمت رفوف النزاهة بملفات مماثلة تخص الاعلى
والادنى.
إنّ الحل الجنائي مكلف جداً وعلى جميع الأصعدة ماليا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وتربوبيا، بينما الحل الوقائي كما نعلم لديه اجهزة تمتد من هيئة النزاهة الى نظيرتها البرلمانية فهيئة الرقابه المالية وصولا لقسم الرقابة والتدقيق في الدوائر والمرتبط عادة بالمدير العام مباشرة.
يعدّ المدير العام الحلقة التي تربط بين القرار وتنفيذه مستعينا بقسمي الرقابة والتدقيق والقسم القانوني المرتبط ايضا مباشرة بالمدير العام، كذلك وحدة الرقابة المالية المرتبطة مباشرة بهيئة الرقابة المالية، فأين بات هؤلاء عن أدوارهم الوقائيّة؟
ألا تكفي هذه الكيانات لتحجيم حالات الفساد من خلال استلهام تاريخها وتجربتها .
علينا القول إنّ الظرف الاستثنائي لا يمكن التعاطي معه بأدوات الظرف الاعتيادي من حيث المبدأ، ثمّ لنثبت الالتزامات الواجبة على النزاهة الوقائية التي لعلّ أولها وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، اذ يختلف الأداء سيما أنّ الغالبية يعملون بالوكالة اي تصريف اعمال، ولذلك نلمس تحرّكا متأخرا جداً باتجاه مجلس خدمة ضمن البيئة الحالية.
إنّ جهازنا الوقائي بمواقعه كافة، يتحتم عليه أن يدعو الادعاء العام لممارسة واجبه، اذ يحترس اثناء التحقيق او الشبهات بمنع السفر او الاحتجاز الوقائي بعد خوضه معركة الحصانة، ولكن الادعاء العام او المدير العام ورئيسي النزاهتين القضائية والبرلمانية واجهزتهم يواجهون اجتهادات امتدت من ليبرالية بريمر وجوقته الى ذرائع عرفية، والموظف العام عادة عندما يجد أنّ القانون كثير الاستثناءات فإنّه يجد مكانه ببساطة بين المناصب لينضم محتميا.
الرقابة المالية مدعوة أيضا الى مراجعة كيفية تمتع البعض بوظائف مفتوحة الامتيازات، وللقيام بمنع هدر المال في اروقة تهريب النفط بأي وسيلة كانت وتشديد الانتباه وعدم الغفلة عن ذلك، ولكي تستعاد الثقة لا بدّ من استرداد المال المسروق وتفعيل بقية الاجهزة الوقائية الى جانب الادعاء العام ليكون هذا الحراك درعاً للمتصدي.