دَمَقْرَطَةُ المجتمع أو حينما يتقدَّمُ المجتمعُ على الدَّولة

ثقافة 2019/11/23
...

د. محمَّدحسين الرفاعي
 
[I] 
الديموقراطيةُ نتاجُ صيرورةِ تاريخٍ- ومجتمعٍ. أعني بذلك أنَّها صيرورةٌ مجتمعيَّةٌ، من داخل المجتمع، تضعُ المجتمعَ، بعدَ فتراتٍ طويلةٍ من الصراع، ضمن حدود [الحُكمِ- بـ- التعدُّد]. ولكنَّ [التعدُّدَ- بوصفه- أصلَ- الديموقراطية]، وماهيَّتَها الجذرية، هو كيفيَّة وعي، وفهم، ووجود. فكيف يكون ذلك، على نحو مجتمعيٍّ؟ وفي أيَّةِ معانٍ يمكننا البحثَ عنه والنقاشَ ضمنَه؟ 
[II]
يوفِّرُ التعدُّدُ حقولَ وجودٍ مجتمعيَّةٍ مختلفةٍ، ومتنوِّعَةٍ، ومتعدِّدَةٍ. كما أنَّه، من جهة كونه اِختلافاً، يوفِّرُ [إمكانَ الفعلِ المجتمعيِّ] خارجَ التحديدات المجتمعيَّة القَبليَّة Priori Societal Determinations. وهكذا، اِنطلاقاً من كونِ المجتمعُ الديموقراطيُّ أساسَ النظامِ الديموقراطيِّ، نكونُ أمامَ [التغيُّرِ- الدائمِ- في- التحديدِ- المجتمعيِّ] الذي من شأن الفعاليَّة المجتمعيَّة، بعامَّةٍ، والفعل المجتمعيّ، بخاصَّةٍ. 
[III]
حينما نشير إلى التحديد المجتمعيّ لأي شيء مجتمعي، نكون، بوصفنا كائنات مجتمعيَّة- تاريخية، أمام تغيُّر الآيديولوجيا المجتمعيَّة، بوصفها أساس التحديد، اِنطلاقاً من أدوات، ووسائل من خارجها، من جهة، ومن داخلها، من جهةٍ أخرى. تتغير الآيديولوجيا من خارجها بواسطة أدوات ووسائل التثاقف بين المجتمعات البشرية، من جهة، وعَبرَ فكرة [وحدة- العالَم]، من جهةٍ أخرى. كما إنَّها تتغير من داخلها بواسطة القوى المجتمعيَّة- السياسية التي تقع خارجَ السلطة، من جهة، وتلك القوى المجتمعيَّة- المعرفيَّة التي يقع على عاتقها، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، تحديد الوعي المجتمعيّ، من جهةٍ أخرى.  
 [IV]
 ومن جهة أن [الدَّولةَ- مؤسسةُ- المؤسسات- مجتمعيَّة]، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، ومن حيثُ أنَّها تقوم على أسس البيروقراطية والحفاظ عليها، من جهة أولى، وهي تقوم، من جهة ثانية، على الآيديولوجيا المجتمعيَّة، وعلى وحدة العلاقة بين محدِّدات الآيديولوجيا المجتمعيَّة، من الداخل، ومن الخارج، من جهة ثالثة، فإنَّ الديموقراطيةَ توجد، اِنطلاقاً من الهَويَّة المجتمعيَّة- وتكونُ، اِنطلاقاً من الذَّات المجتمعيَّة- فتصير، اِنطلاقاً من الفعل المجتمعيّ، والإنوجاد المجتمعيّ عَبرَ التعدُّد المجتمعيّ، في كل ضرب من ضروب ممارستها، بوصفها نمطاً من أنماط ممارسة السلطة. ولكن، لا يمكن أن يكون ذلك إلاَّ بعد دَمَقْرَطَةِ المجتمع: أي جعل المجتمع ديموقراطيَّاً. فكيف يُفهم ذلك؟ 
[V]
من أجل الفهم، والتساؤل عن ذلك، لا بُدَّ من أنْ نميِّزَ بين علاقتين متمايزتين. تتمثَّل أطراف العلاقة الأولى بالقوى المجتمعيَّة التي تهدف، ضمن أفعالها المجتمعيَّة، إلى ممارسة السلطة، من جهة، وتتمثل بالدولة، من جهةٍ أخرى.
كما تتمثَّل أطراف العلاقة الثَّانية بالقوى المجتمعيَّة التي لا تهدف، ضمن أفعالها المجتمعيَّة، إلى ممارسة السلطة، من جهة، وتتمثل بالقوى المجتمعيَّة التي تهدف إلى ذلك، من جهةٍ أخرى.
 [VI]
وعلى ذلك، يتطلَّبُ التَّساؤل عن تأسيس الديموقراطية، أي دَمَقْرَطَةِ المجتمع، التوقف عند المحطات الآتية:
I- بناء الوعي السياسي للقوى المجتمعيَّة الفاعلة سياسيَّاً عَبرَ تمكين [مجتمعيٍّ] قادرٍ على ممارسة السلطة، قانونيَّاً، وإجرائيَّاً، وقضائيَّاً. فيكون كفريق اِحتياط في الظروف المجتمعيَّة التي تهدد ديموقراطية السلطة بالاِنهيار. 
II- بناء الوعي المجتمعيِّ للقوى المجتمعيَّة عَبرَ: I- التعدُّد، وII- وعي التعدُّد، وIII- بناء الصِّلات المجتمعيَّة- السياسية، بين أطراف العلاقتين المذكورتين أعلاه، في الحفاظ على التعدُّد، والتنوع، والاِختلاف المجتمعيِّ. III- الحفاظ على اِستقلالية رجال العِلم- والدين، عن بعضهما، من جهة، وعن رجال السلطة، واِحتكارها، من جهةٍ أخرى؛ ومن ثمّ الحفاظ على اِستقلالية الآكاديميا- والمؤسسة الدينية بوصفهما مَصنَعَ إنتاج الوعي المجتمعيّ، أولاً عَبرَ بِنيَة الثقافة المجتمعيَّة، وثانياً عَبرَ المعرفة العِلميَّة الحديثة.  ... ولكن، حينما يكون ذلك كلُّهُ قد بدأ بالظهور على مسرح التاريخ- والمجتمع، وحينما يكون التغيُّرُ في التحديد المجتمعيِّ قد بدأ بفعله التاريخيِّ، ومتى ميَّزت القوى المجتمعيَّة نفسها عن رجال السلطة، ورجال اِحتكارها، يكون المجتمع قد تقدَّمَ على الدولة. حينها، وحينها فقط، على الدولة، لا السلطة فحسب، أن تلحقَ المجتمع، وترتفع إلى مستواه.