وطنيَّة المرأة العراقيَّة

آراء 2019/11/23
...

حسين الصدر
لا يستطيع أحد أنْ ينكر الدور الفاعل والمشاركة الكبيرة للمرأة العراقية في المظاهرات والاحتجاجات الشعبية العارمة التي انطلقت في العاصمة بغداد وفي مختلف
 المحافظات العراقية.
وهذا إنْ دَلَّ على شيء فانما يدل على الوطنية العالية والاحساس العالي بالمسؤولية ازاء ما يمر به الوطن الحبيب من مخاضات صعبة، وما يشهده على يد المحترفين السياسيين والسلطويين العراقيين من اختراقات للضوابط والموازين، وتراكم للتقصير الشديد بحق المواطنين العراقيين في كُلّ ما يتصل بحاجاتهم وتطلعاتهم المشروعة لحياة حرة كريمة، ومعاملة عادلة تقوم على أساس (المواطنة) والانتماء الى العراق وليس على أساس مذهبي أو حزبي او قوميّ او عشائري او مناطقي أو اي حساب آخر
 مرفوض.
وللأسف فقد دَفَعَت المرأة العراقية الوطنية ثمن وَعْيِها وحُبّها لوطنها عبر (الاختطاف) والتغييب، في ظروف غامضَة تثير القلق، وتوجب الامتعاظ الشديد.
وتبرز هنا خصيصة النبل العراقي حين تحمل احدى السيدات (غسّالة الملابس) من بيتها الى ساحة التحرير، لتقوم بغسل ملابس المتظاهرين المجتمعين في تلك الساحة.
تغسل ملابسهم كما تغسل ملابس أبنائها،
ولا يغيب عن بالها الحاجة الى ان تكون ملابسهم نظيفة تليق بهم...
إنّ مجرد التوجه الى ساحة التحرير مع حمل (الغسّالة) يكفي للتدليل على عمق الحبّ للوطن وأبنائه، وشدة التطلع الى الاصلاحات المنشودة التي ترفع الحيف عنهم، وتنفض ماتراكم من غبار التقصير والاستئثار ... وارجاع ما نهب من ثروتهم الوطنية مِنْ قِبَلِ حيتانِ الفساد والمختلسين للمال العام، والمتلاعبين بشؤون البلاد والعباد.
لقد شدّني مشهد احدى السيدات العراقيات وهي تتحدث عن أنها لم تكن تملك من المال ما تشتري به (الغسّالة) المطلوبة فَعَمدَتْ الى شرائها بالدَّيْن، على أنْ يتم التسديد لاحقا، ووافق (البائع) على ذلك حين رآها في غاية الجِدّية والتوثب لاسداء ما تستطيع اسداءه من خدمة للمتظاهرين...
وهناك سيدات أخريات سارعن الى اعداد الطعام وطبخه وتوزيعه بين المتظاهرين.
إنّ المتظاهرين العراقيين السلميين هم بمثابة الأسرة الواحدة في تلاحمهم وتعاطفهم وتعاونهم على المضي في درب المطالبة (بوطن) تقرّ به عيونهم .. وتطمئن
 نفوسهم.
والى جانب السيدات المعنّيات (بالطبخ) و (غسل الملابس) للمتظاهرين سيداتٌ تَوَلَيْنَ مهمةَ الخدمات الطبية والصحية في حلقات يكمل بعضها بعضا وصولاً الى مشاركة شعبية كثيفة تقف فيها المرأة العراقية الى جانب أبنائها وإخوانها المتظاهرين السلميين العراقيين.
إنّ هذا التلاحم الوطني والمشاركة الكثيفة من الرجال والنساء في المظاهرات هو المؤشر الحقيقي على أنّ المسألة ليست قابلة للتطويق، لأنّها نابعة من قناعة تامة بوجوب التغيير، واستعداد تام لمواصلة المظاهرات والاعتصامات حتى تحقيق المطالب
 المشروعة.
لقد أوشكت المظاهرات أنْ تُنهي اسبوعَها الثالث دون أنْ يعتريها الملل أو الكلل ...
وانّ على السلطويين أنْ يوطنوا أنفسهم على فهم الحقائق، والاستجابة للمطالب المشروعة دون تلكؤ او إبطاء، فقد انتهى – والى الأبد – زمن المراوغات والمناورات الخادعة.