أيُّها الرائي المتناغم مع اكتمال النشيد
ثقافة
2019/11/24
+A
-A
بغداد/ ابتهال بليبل
الراحل أسعد اللامي، الرائي العارف الذي أطلَّ من «شباك أمينة» و»بقايا حلم» وروايات أخرى.. كان الأكثر شغفا بالكتابة حتى «أحلام العبوة الرابعة».. روايته الأخيرة. اصدقاؤه يرونه حباً كبيراً لينادوه طوبى لك وانت ترحل عنا ووشمك مازال خالداً في القلوب والارواح.. وآخر سيكمل مسيرته الزاخرة بقدر ما نلملم جراح القلب بضماد العراق الحبيب.. لقد غاضّ النبع وتدفقت كلمات الصحب عن روح اللامي الفائضة وغادرنا هادئاً صامتاً كأنّه ينتظر وشيكاً مغادرته بقلب نبيل ووجه باسم.
أنيقٌ حتى في غضبه
تحدث الشاعر جبّار الكوّاز عن الفقيد بكثير من الاعتزاز، وقال: منذ أن عرفته في ثمانينات القرن المنصرم ظلّ صديقي العزيز المرحوم أسعد اللامي أنموذجا للمثقف الشجاع والمبدع المميز الذي وظّف إبداعه فيما آمن به فكراً وانتماءً من أجل وطن حر وشعب موحّد سعيد.. هكذا كان وهكذا بقي مواظبا في الاعلان عن ذوبانه بالجماهير الشعبية وتطلعاتها في الحياة وهو يطل علينا على صفحات الغراء (طريق الشعب) متبنياً تطلعات الشعب العراقي نحو غد أفضل وحياة أسعد من خلال مقالاته الاسبوعية وإشرافه على صفحة متخصصة بالهم الوطني الشعبي.. وما زلت أحسّ بحرارة صدقه وقوة بصيرته فيما أبدع وكأنّه شجرة وارفة الظلال طلعت من هموم الجماهير وتبنّت خطابها التواصلي حتى في نصوصه الإبداعية الأنيقة كأناقته المعروفة للجميع.. وبرغم مرضه العضال بقي متمسكا وهو يقاتله بالتفاؤل تارة والإصرار والقوة التي تتطلبها معركة مع عدوٍ قاسٍ لئيمٍ، وفي لقائي الاخير به في مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بعد اختياره عضوا في لجنة التكافل المركزية كان على اصراره المكين بوجوب ابتكار آفاق جديدة من قبل المبدعين لمؤازرة زملائه مرضى السرطان.. ما زالت ابتسامته مشرقة رغم الأسى الطافح على ملامحه وما زال أنيقا كما عرفته عصر أيلول في سنوات الحرب العراقية الإيرانية. أنيقا في حواره وطرح أفكاره، أنيقا في تعامله مع زملائه وأصدقائه، وأنيقا حتى في غضبه وهو يحلل الإشكالية العراقية المقيمة على صدورنا نحن المهمومين بحب الوطن والشعب.. فإليه وهو في عليين وهو من فرط أناقته مبتسم من الموت أقول.. أيّها الرائي الجميل طوبى لك وانت ترحل عنا ووشمك ما زال خالدا في قلوبنا وارواحنا، وما زالت نصوصك ورواياتك بصمة ابداع صادق أصيل في مشهدنا الإبداعي، أيّها الراحل الذي لن ينسى في زمننا هذا ونحن نعيش ثورة الشباب في أكتوبر العراقي.. لك الرحمة والرضا والسلام أيّها
العزيز دائما.
الطيبة والسماحة
أما الناقد الدكتور علي حدّاد فقد خصَّ الراحل أسعد اللامي قائلاً: مؤلم أن تعيش أحساسك أن مبدعا حقيقيا تعرفه عن كثب وقرأت له قد غاب عن ناظريك نهائيا. وتتسع مساحة الألم، ليستحيل حرقة ممضة حين يكون هذا المبدع صديقا ودودا وإنسانا فياضا بالإنسانية كالروائي الراحل (أسعد اللامي) الذي جمعني وأياه أكثر من مكان وأكثر من لقاء عرفته فيه عن كثب وتأملت من خلاله فيض إنسانيته المفعمة بالطيبة والسماحة وهدأة الصوت وانسيابية الكلمات الواثقة بمقادير وعيها وعمقه. هكذا كان الراحل في البعد الإنساني الذي تلقاه أصدقاؤه ومن عرفه. اما منجزه السردي فإنّ في خصبه وعمق مضامينه وتشكل بنيته ما يجعله جديرا بأكثر من قراءة نقدية تستجليه وتعايش كشوفاته المعرفية والجمالية العالية.
مسيرة زاخرة
وترى الروائية عالية طالب رحيل الأدباء خسارةً أكبر من كلمات الرثاء ومن شعور الخذلان الذي رافق معاناتهم التي نادينا طويلا بالاهتمام بهم، فهم شريحة لا يمكن تعويضها.. لكن دون ان يصغي لنا أحد ودون حلول حقيقية تحقق لمشهدنا الثقافي ما يحتاجه
وجودهم.
وقالت: أسعد اللامي هذا الهادئ الصامت الذي انتظر مغادرته بقلب نبيل ووجه مبتسم وحضور مميز.. أخبرنا رحيله أن علينا ان نكمل مسيرته الزاخرة بالكثير، وألّا نسأل كيف ولماذا بقدر ما نلملم جراح القلب بضماد العراق الحبيب.. رحل اللامي وهو يلتفت إلى قصص روايات مؤجلة ومؤلفات قالت لنا ما راه وما علينا ان نراه فيها وما يتوجب علينا ان نجيد فهم رؤيته جيدا.
رحيل الأدباء ثلمة في مسيرة من لم يقدم لهم ما يديم حياتهم وثلمة في واقع إنساني أفتقد إنسانية الرعاية وثلمة في فراغ امكنتهم التي لا يعوضها أحد.
لغة خصبة
وتحدث الناقد الدكتور نصير جابر عن الراحل اللامي، قائلاً: الرائي العارف الذي أطلّ علينا من (شبّاك أمينة) ليبوح لنا بآخر أحزانه ويرحل.. هو أحد أهم الأصوات المعاصرة في الرواية العراقية التي أضافت نكهة مغايرة للسرد العراقي الذي تتناوشه التيارات والاتجاهات المختلفة.. صوت مائز ولغة خصبة وفضاء أليف.. وسرد متمهّل ينشغل بكلّ ما هو إنساني شفيف.. أسعد اللامي الذي لا يحب التطبيل لنفسه ولا لمنجزه كان الصمت والعمل خلف الكواليس هو ما يتناغم مع طبيعته وانسانيته الحقيقية.. قال ما يجب قوله وترك خلفه صوته المبثوث في روايته ليكمل النشيد.. أسعد الذي عاش صراعات العراق وعرف كل المحن حاول أن يكون شاهد عيان ينقل ويوثّق بكل صدق وأمانة تلك الأتراح والأحزان التي لا يتسع لها غير قلب الرواية.. له الرحمة والخلود وسيظل اسمه في قائمة الكبار حيث الكلمة الساطعة.
حارب المرض بالإبداع
الناقد يوسف عبود جويعد في أربعينيّة الروائي الراحل أسعد اللامي، قال: يمرُّ من أمام عيني، شريط طويل لصراع نادر الوجود، وذلك لأنّ الراحل كلما اشتدَّ عليه المرض وتأزّمت حالته لجأ الى الكتابة والقراءة والابداع، وكان رحمه الله يخرج من جلسة علاجه الكيمياوي، الى الاتحاد العام للادباء والكتاب، ليحضر الجلسة المنعقدة ويشارك فيها رغم كل الآلام وكل الاوجاع، وكل التداعيات وكل الخوف والقلق من النهاية التي كان يتوقعها، إلّا أنّه ظلَّ يحارب من أجل البقاء، إذ أنّه لا يكتفي بالعلاج في البلد، بل يسافر الى الهند باحثاً عن أجهزة طبية، يحاول من خلالها أن يفتت تلك الخلايا السرطانية التي هجمت عليه كوحوش ضارية، حتى وصلت الى رأسه، ورغم أن الطبيب الهندي أخبره بأنه سوف يعيش أياما معدودات، الا أن تشبثه بالحياة وطموحه الكبير في أن يكتب رواية، أكبر من هذا الكائن الخبيث، فكتب روايته (أحلام العبوة الرابعة)، وهو في أصعب حالات المرض، ليقدمها للمتلقي وهي تحكي قصة صراعه مع المرض، لهذا فإنّ الروائي أسعد اللامي رحمه الله ظلّ يواصل مسيرته الادبية الروائية رغم المرض، وكان في جلساته العلاجية يجلب معه رواية ليقرأها أثناء تلقيه العلاج، وعندما يسافر الى الهند يحمل معه حزمة من الروايات، هي زاده وزواده في سفره، ليكون واحدا من الادباء الذين حاربوا المرض بحب الابداع، وهي حالة نادرة، وحتى نفسه الاخير، فقد أنهى كتابة مخطوطة روايته الجديدة التي
لم ترَ النور بعد.