إنفصال الكائن

ثقافة 2019/11/24
...

مهدي القريشي 
 
 
     يعتقد الكثير من المواطنين أن التقدم التكنولوجي والتطور التقني ساعدا كثيرا في نمو وازدهار الحضارة ومنحها دفقاً كبيراً في رقي الانسان وتقدمه، ويعتقد أيضاً انها لبت طموح ومتطلبات الانسان المعاصر. لكن رغم ما يظهره الواقع للعيان من تقدم وعظم تأثيراتها الإيجابية على بقية الجوانب الحياتية الاخرى، الا انه في الوقت نفسه يعد التطور هذا احد أسباب تحطيم الانسان وتراجعه عن انسانيته وسلبه قيمته الحقيقية كإنسان وتحويله الى حاجة متساوياً مع بقية الأشياء التي تمتدُّ اليها  اليد عند
 الحاجة. 
وقد اتفق معظم العلماء والفلاسفة أنّ وصول الانسان الى ما وصل اليه الآن وفي احد تجلياته كائناً منفصلاً عن ذاته وعن مجتمعه سببه تنامي أدوات النظام الرأسمالي من شركات كبرى وكارتلاتها العملاقة ومؤسساتها، التي يكون هدفها الاول هو كيفية الحصول على الأرباح  من خلال سيطرتها على وسائل الإنتاج وتحويل الكائن الى مستهلك والدول الى أسواق ولم يكن ماركس هو الوحيد الذي يتهم الرأسمالية باغتراب الانسان، بل هناك الكثير غيره رغم اختلاف المسمّيات والطرائق كـ (لوكاتش وهاربرماس وماركوس وآخرين). 
أسوق هذه المقدمة لأنّ بعض الناس يستهويهم العيش بمعزل عن الآخرين خارج الأسباب التي ذكرناها او قد تكون متولدة منها بصورة لا يدركونها خاصة في عالمنا الاسيوافريقي، فقد يكون سبب انفصال الكائن، اجتماعياً او بفعل تراكمات مزمنة كبذرات إرث رثّ او محاثي لسلوكيات نمطيّة. 
وانفصال الكائن عن مجتمعه في كثير من الأحيان لا يقلل من تكاسله مع الأشياء وفي الوقت نفسه يثلم جزءاً كبيراً من جرف مجتمعه لصالح عزلته . 
صحيح أنّ الوردة عندما تنعزل في مكان خاص تستقطب أنظار المارة بدهشة كبيرة لانفرادها في منح الجمال للمكان لكن يكون العطاء أوفر  والدهشة أكبر والجمال أروع حين تتلاقح الرياحين مجتمعة وبألوان عدة وعطاءات متنوعة، وهذا الانعزال او الانفصال لا يؤتي ثمره ولا يتساوق مع كلّ المسمّيات، وليس سرّاً أنّ ما يجمع الأشياء تجانس صفاتها كذلك الأضداد حين تجتمع لتتصارع من أجل البقاء رغم أنّ كل ضد يؤدي واجبه الوظيفي منفرداً او بتأثيرات من  العناصر المجاورة، فالانفرادات الوظيفية نابعة من مكوناتها الذاتية ومن ثمّ لا تنهض برسم سياسة خاصة بها، أما حين تجتمع المشتركات او المتناقضان من الصفات بين الكائنات فسوف تمنح الاخر عطاءهن وطاقاتها المشتركة للآخر  . 
كل كائن لكي يكمل ذاته يحتاج الى مساندة عضوية من الاخر حتى ولو اختلفت الوظائف فالإنسان والكرسي والطاولة والكتاب يؤدي كل واحد منهم وظيفة مغايرة للآخر، لكن كلّ هذه العناصر مشتركة حين تتكامل سوف تنتج قصة قصيرة مثلاً او كتابة رواية او جدولة موازنة مالية او حتى حل كلمات متقاطعة او كتابة رسالة حب الى عزيز غيّبته الحروب. فانفصال الكائن عن مجتمعه او مكمّلاته الحياتية وان اختلف معها تفقده الألفة وعدم التواصل الصحيح وتغريبه شهية طعم الحياة، اما ان اجتمعت هذه الكائنات التي يقودها الانسان حتما سوف تثمر شيئاً مفيداً  فالارض الوديعة تستقبل الماء وأشعة الشمس بممنونية كبيرة لتتآلف معها في وحدة واحدة في حين ان شفرة المسحاة الحادة والتي تشق وجه الارض بقساوة مفرطة وفي الوقت نفسه تشوه وجهها الا ان الارض تستقبلها بمحبة مادامت تقدم خدمة للآخر مثلها مثل المريض الذي يستسلم لمشرط الجراح لإدامة الحياة للمريض . 
يضع {فروم» الحلول لإنهاء انفصال الكائن عن مجتمعة والأشياء المحيطة به فهو يرى الاشتراكية هي السبيل الأمثل لخلق مجتمع ينتهي فيه اغتراب الانسان، واشتراكية {فروم» هي خليط بين افكار كارل ماركس الشاب وآراء فكر الاشتراكية الخيالية الممزوجة بروح برجوازية.