التعداد المؤجل

آراء 2019/11/24
...

صادق كاظم
منذ العام 1997 لم يجر العراق أيَّ تعداد آخر للسكان وكما هو معروف، إذ توقف التعداد منذ ذلك الوقت رغم اهميته، اذ ان هذا الاحصاء السكاني يعد ضروريا لكونه يسهم في وضع خطط التنمية وتحديد احتياجات السكان الخدمية من منشآت وبنى تحتية، فضلا عن وضع الدراسات لاعداد المشاريع الخاصة بالسكان مثل البناء والتشييد والتنمية والوظائف والموارد المالية 
وغيرها. 
لم تتمكن البلاد منذ عام 2003 من اجراء اي تعداد للسكان رغم حاجة البلاد الماسّة له والسبب في ذلك قد كان سياسيا، اذ تسببت الخلافات السياسية واصرار بعض الكتل على وضع فئة القومية والمذهب في استمارات التعداد قد كانت السبب الرئيس وراء تعطيل اجراء التعداد وتركه لأكثر من 22 عاما من دون أن يكون هناك سبب مقنع لهذا التعطيل، اذ ان العراق فقد تعدادين للسكان كان من المفروض اقامتهما في الاعوام 2007 و2017 . فضلا عن ان التعداد يرتبط ببعض القضايا الخلافية مثل المناطق المتنازع عليها وتطبيق المادة 
140.
 لقد ذكر جهاز الإحصاء العراقى بأنّ عدد سكان العراق بلغ 38 مليونا و124 ألفا و182 نسمة حسب الاسقاطات السكانية لعام 2018"، مبيّنا أنّ "نسبة الذكور منهم بلغت 19 مليونا و261 ألفا و253 نسمة بنسبة 51 %، فيما بلغت نسبة الاناث منهم 18 مليونا و862 ألفا و929 نسمة وبنسبة 49 % من مجموع السكان، إذ أنّ أكثر من نصف عدد السكان هم من فئة الشباب الذين يواجهون مشاكل البطالة وقلة فرص العمل.
ونتيجة للتظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد مؤخراً فقد كان تقليص عدد اعضاء مجلس النواب من بين المطالب المطروحة ضمن المقترحات الاصلاحية، لكن غياب اي تعداد حقيقي للسكان سيجعل من تنفيذ هذا المقترح بشكل دقيق أمرا صعبا، اذ يجب مراعاة تحديد النسبة بالدقة بالنسبة لعدد اعضاء مجلس النواب للسكان، فالمقترح ينص على ان يكون هناك نائب لكل 200 الف مواطن اي ما يصل الى 200 نائب لكل سكان 
العراق.
ومن خلال الاحصائيات التقريبية المعلنة فإنّ الارقام تشير الى ان نسبة النمو السكاني في العراق قد انخفضت الى 2.8 %، رغم أنّ عدد سكان العراق يتزايدون بمعدل يبلغ 850 ألفا الى مليون نسمة لكل عام، وهو رقم مرتفع قياسا بأعداد السكان في المنطقة، مما يفرض اعداد خطط تنموية حقيقية في مجالات التربية والتعليم والاسكان والزراعة والصناعة وغيرها لتكون قادرة على استيعاب هذه الزيادات السكانية وعدم خلق فجوة في هذا المجال والعمل على تطوير الاقتصاد العراقي وتنويعه ليكون قادرا على تلبية تلك الاحتياجات والمطالب. 
ومن المفارقات أن أول إحصاء للسكان في العراق جرى في العام 1927 وقدر فيه عدد سكان العراق بنحو ثلاثة ملايين نسمة بينما بلغ عدد سكان العراق في العام 1997 تسعة عشر مليونا و 184ألفا و 543 نسمة وهو اخر تعداد للسكان عرفته البلاد وقتها. وبحسب مواقع عالمية متخصصة بالإحصائيات والبيانات السكانية والديموغرافية والاقتصادية فإنّ العراق يحتل المرتبة 36 عالمياً والمرتبة الثالثة عربياً من حيث عدد السكان من أصل 195 دولة بما فيها دولتا الفاتيكان وفلسطين وأن عدد نفوس العراق يبلغ حاليا 40 مليوناً و412 ألفاً و299 شخصاً وهم يشكلون 0.5 بالمئة من سكان العالم. الواقع الخدمي وتحدياته وحاجة البلاد المتزايدة الى الكثير من المشاريع  تفرض ضرورة وضع خطط تنموية حقيقية الان ومستقبلا، خصوصا وان السنوات الستة عشرة السابقة أهدرت فيها اكثر من 300 مليار دولار كانت بالتأكيد ستغيّر من خريطة الاعمار في العراق كثيرا وبشكل مختلف عن الواقع الحالي بكثير. 
إنّ اجراء الاحصاء السكاني سيوفر للدولة معلومات رئيسة واستراتيجية عن الواقع الخدمي واحتياجات البلاد من المشاريع والبنى التحتية وعدد السكان في كل محافظة واعداد العمالة والموظفين وهي احصائيات لا يمكن ان توفرها الا عمليات التعداد واحصاء السكان وبشكل مهني بعيدا عن الحسابات والحساسيات السياسية التي تسببت في الماضي وما تزال في تعطيل عملية الاحصاء هذه وتأجيلها في كل 
مرة. 
هناك حديث عن امكانية اجراء عملية للتعداد السكاني خلال العام المقبل بعد ان اعدت الجهات المعنية الخطوات والاستعدادات الرئيسية لذلك، لكنها ما تزال تنتظر الموافقات من رئاسة الوزراء للشروع بذلك، خصوصا وانه تم استبعاد بعض الفقرات الخلافية من استمارة التعداد السكاني مما سيسمح باكمال اجراء التعداد السكاني ان تم اقراره في موعده الرسمي مما سيشكل خطوة مشجعة لايجاد الحلول لمختلف المشاكل والاحتياجات التي تعاني منها البلاد منذ فترة 
طويلة.