الاستدعاء الثقافي والسند التاريخي

ثقافة 2019/11/26
...

د. حسين القاصد 

 
 
حين تتجول في البلدان العربية، تجد الأسماء التاريخية شاخصة، واغلبها تطلق على أماكن لا تمت للأصل بأية صلة. 
فكل أمجاد العرب في اسبانيا، صارت موزعة بين البلدان العربية، ففي كل بلد عربي تجد شارعا او مدينة او مؤسسة ثقافية تحمل اسما من أسماء مجد العرب في محاولة لاستذكار اندلسهم.
فأسماء شارع غرناطة، أو اشبيليا، والأندلس، تنتشر في أغلب البلدان العربية؛ ففي العراق كانت سينما غرناطة، ومازالت ساحة الأندلس شاخصة في بغداد.
ليست الأندلس وحدها، فالعرب صارت تسمي حتى مستشفياتها على أسماء معاركها القديمة، مثل مستشفى اليرموك في العراق، والأمثلة كثيرة في البلدان العربية.
في الشعر وخوفا من الحكومات صار الشاعر العربي يستدعي المتنبي قناعا ليبوح بما يريد من خلف هذا القناع؛ وليس المتنبي وحده فقد اختبأ يوسف الصائغ خلف مالك ابن الريب لأكثر من عشرة أعوام بين الشعر وتقمّص السيرة الذاتية، واختبأ عبد الرزاق عبد الواحد خلف قناع الحر الرياحي والنبي يحيى ليقول ما يريد في مسرحيته الحر الرياحي.
 يُعلل ذلك نصر حامد أبو زيد بقوله: ثقافتنا تعبد النصوص! يكفي أن تقول: قال فلان ويتوقف العقل، وهذا التعليل يدفعنا لمحاورة الاستدعاءات الأخرى، ففي تظاهرات مصر حدث قمع حكومي للمتظاهرين فأطلق المصريون على هذه المواجهة معركة الجمل!! وهو استدعاء مرتبك لأنّ معركة الجمل القديمة، انتهت بالتراضي، ووأد الفتنة، بينما يحاول المصريون اسقاط النظام !! .
في استدعاء آخر، فجأة صار العراقيون يسمون شهر تشرين (اكتوبر) وهي تسمية لا يستعملها العراقيون اطلاقا لكنّهم نسخوا عن المصريين معركة اكتوبر، وهي نفسها التي يسميها العراقيون حرب تشرين، لكن التظاهرات ليست حربا ومازال الجميع ينادون بسلميتها.
أما الاستدعاء الأخطر فهو استدعاء اسم جبل أحد، ليطلق على المطعم التركي، وهو استدعاء مرتبك، فمن يريد النصر يستدعي (بدر) أو (الخندق) لأنّ من كانوا على جبل أحد هم سبب خسارة المسلمين بعد أن أغرتهم الغنائم ليتركوا واجباتهم.
ليس كلّ ذي رمزيّة في الماضي له أن يصح وينسجم مع الحاضر، وليس من المعقول أن نبقى أمة تقتات على الماضي ولا تقترح مستقبلا.