المواطن المثالي

آراء 2019/11/26
...

د. كريم شغيدل
 
 
لا الخوف يصنع مواطناً صالحاً ولا الترهيب ولا القمع، وإنما العدالة هي من تصنع ذلك الأنموذج المثالي المندمج بمجتمعه، ومنظومة الحقوق والواجبات على وفق معايير المواطنة كفيلة بإدامة وجود مواطن مسالم ونزيه ومنضبط، مبادئ الديمقراطية والتحرر من التابوات تسهم بصورة فعّالة في إنتاج مجتمعات فعّالة وقوية وتحترم وجودها في الحياة، إلّا بعض الشواذ ممن يختارون سبل الجريمة أو الاحتيال على القوانين أو الاستهتار بالقيم الأخلاقيّة، وهؤلاء نصادفهم في كل مكان، حتى في أكثر الدول عدالة وتحرراً وديمقراطية.
     الشعور بالعدالة يضع المواطن أمام مسؤوليته الأخلاقية تجاه وطنه، بينما يخلق التفاوت الاقتصادي ما يسمى بالحقد الطبقي، بل إن الاستئثار بالسلطة والمال من قبل طبقة معينة يخلق مواطناً ناقماً متذمراً أشبه بقنبلة موقوتة لا يمكن التكهّن بانفجارها، ومن المحال أن يدوم الظلم، وقد تساقطت عبر التاريخ إمبراطوريات وأنظمة تحكم بالنار والحديد، ومرت أغلب شعوب الأرض بتجارب مريرة بغية التحرر من الأنظمة الاستبدادية، بالمقابل هناك تجارب ديمقراطية هشة فشلت بإنتاج مواطن آمن، بسبب الفساد والانحراف عن مسار المبادئ الحقيقية للديمقراطية.
ينبغي ألّا نحاسب الجائع عمَّا سرق، قبل محاسبة من جوعه، ولا نحاسب المضطهد عن الخيانة، بل من دفعه لذلك، ولا يحق لنا أن نحاسب مجرماً قبل أن نوفر له حياة حرة كريمة آمنة تحترم إنسانيته، مشكلتنا أننا لا ندرس أسباب الظاهرة بل نطلق أحكاماً جاهزة على نتائجها، وأسهل سبيل يمكن أن نسلكه هو نظرية المؤامرة، فهي الحل السحري للتهرّب من المسؤولية، وهي السلاح الفتّاك لتبرير القتل، فالإرهابيون يعدّون كل فعل أو شخص مخالف لعقيدتهم جزءاً من المؤامرة على الإسلام، بينما أفعالهم بحد ذاتها مؤامرة حقيقية لتشويه صورة الإسلام، كذلك الأنظمة الاستبدادية تعتقل وتقمع وتعدم وتغتال بذريعة الحفاظ على الأمة، وتعد مخالفيها عملاء وخونة وجزءاً من مؤامرة تستهدف بلدانهم. 
لنفترض أن هناك عملاء، ألا ينبغي أن نتساءل لِمَ أصبحوا كذلك؟ لنسأل أنفسنا: هل نحن مواطنون صالحون؟ هل نمتلك ولاءً حقيقياً لأوطاننا؟ هل نحن عادلون؟ كم حققنا من منجزات تربوية واجتماعية واقتصادية وسياسية مما يجعل المواطن محصناً، كم منحناه من الحقوق؟ كم حققنا له من العدالة والأمان والرفاهية والحرية ليكون سداً منيعاً لمقاومة المؤامرات التي تحاك ضد بلده؟ 
أقول هذا ردّاً على إصرار البعض على النظر إلى التظاهرات الشعبية من زاوية ضيقة هي المؤامرة، قد يكون هناك متآمرون حقاً ومندسون ومخربون وبعثيون يحلمون بالعودة، بالمقابل وباعتراف الطبقة السياسية نفسها هناك فشل واضح في إنتاج دولة حصينة يعيش المواطن في كنفها بحرية وعدالة وأمان، أقول لمن يؤمن بنظرية المؤامرة عالج أولاً الفساد المستشري في أجهزة الدولة، عالج قضايا الأمية والبطالة وسوء الخدمات وقمع الحريات والسلاح خارج سلطة الدولة والتدخلات الخارجية والفقر والعشوائيات وحقق لطبقات الشعب المختلفة حياة كريمة، ولا تجعل من نظريتك مبرراً للدفاع عن المفسدين.