الفن .. والفنان السيّئ السلوك

ثقافة 2019/11/27
...

جانا ثومبسون
ترجمة: عادل العامل
حين أتّهم الممثل كيفين سبيسي بمحاولة الاعتداء جنسيّاً على صبي مراهق، أُلغي دوره في فيلم "كلّ المال في العالم"، وأُعيد تصويره مع الممثل كريستوفر بَلمَر. وحين سُجن الرسام الشهير دَينيس نونا لاغتصابه فتاةً في سن الثانية عشرة، ردت صالات الفن الاسترالية على ذلك بإزالة أعماله عن جدرانها ووُضعت في مخزن. وجرى إلغاء حفلات ر. كيلي الموسيقية ولم يتم تجديد عقد عمله بسبب إساءته الجنسيّة المزعومة لفتيات قاصرات.
وتاريخ الفن مليء بفنانين كانوا قساةً، مستغلِّين، متحيّزين أو سرّاقاً. فكان بيكاسو يسيء معاملة النساء، وكان رسام عصر النهضة كارافاجيو قاتلاً، وفاغنر معادياً للسامية، وكان ألفريد هتشكوك يحاول تدمير مهنة بيبي هيدرين كممثلة لأنّها كانت ترفض تقرباته الجنسيّة. وهناك مَن يماثل أولئك في سلوكياتهم في وقتنا هذا، ويجب فضحهم ومعاقبتهم على ذلك.
وينبغي من ثمّ إبطال حرية خرق القواعد الأخلاقية التي يتمتع بها بعض الفنانين بوصفهم عباقرة يجوز لهم أن يفعلوا ما يشاؤون.
  
معيار النظر إلى أعمال الفنان
فهل ينبغي لأعمال أو أداءات الفنانين المُسيئين سلوكياً أن تُراقَب، أو يُعرَض عنها، أو تُحجَب؟ وهل ينبغي أن يكون السلوك الحميد معياراً لعرض أعمال الفنان؟ ويتساءل محرر الفنون والمؤرخ الفني أشلي ويلسون هنا، "وإذا ما بدأنا بإزالة اللوحات عن الجدران، أين سنتوقف، يا تُرى؟".
إنّ الإعراض عن الفن بسبب سلوك الفنان ينطوي على إساءة للافتراضات التقليدية المتعلقة بقيمة الفن والعلاقة بين الفنانين وأعمالهم.فالمفترض بنا أن نقيِّم التعبير الفني وأن نعارض محاولات طمس الأعمال الفنيّة حتى حين تكون هناك إساءة في مضمونها لبعض الناس. كما حصل مثلاً لـصورة فوتوغرافية للمصور أندريس سيرانو عن مسيح مصلوب غائص في بركة بوله، التي عُرضت في صالات الفن بالرغم من أن مسيحيين كثيرين اعتبروها تدنيساً للمقدسات.
 
حياة الفنان شيء وفنّه شيء آخر
إنّ فكرة أننا ينبغي ألّا نحكم على الفن بسبب سلوك الفنان تحظى بدعم آراءٍ شائعة حول الكيفية التي ينبغي تقييم الفن بها. فمن المفترض أن تكون للعمل الفني أو الأداء قيمة ومعنى بحكم أحقّيته الفكرية في ذلك. ومن المفترض أن نحكم عليه لماهيته وليس لعلاقته بعوامل غريبة عنه. وتسمح وجهة النظر هذه بإمكانية استخدام سيرة حياة الفنان لتوفير رؤية عميقة داخل عمله الفني، بشرط ألّا تؤثّر حياة الفنان ذاتها في حكمنا على القيمة الجمالية لأعماله.ويحذّر الفنانون أنفسهم من أخذ أعمالهم كانعكاس لما هم عليه في حياتهم الشخصية. وحين سُئل وودي ألين عما إذا كانت أفلامه تساعده في تمشية أمور حياته، أنكر أية علاقة بين حياته وأعماله. "فالأفلام خيال. ولا تمتلك حبكات أفلامي أية علاقة بحياتي". فإذا كانت أعمال الفن تعود لعالمٍ منفصل عن حياة الفنان، فإنّها لا يمكن أن تتلوّث بالأمور السيئة التي يفعلها الفنان. إنّ فصل حياة المرء وشخصيته عن الفن أمرٌ يصعب القيام به. ويشير أشلي ويلسون في كتابه الجديد، (عن الفنانين On Artists )، في هذا الإطار، إلى مشهد في فيلم ألين، "صالة آني"، ويرى أنه يوحي بنوعٍ خاطئ من المواقف تجاه النشاط الجنسي لدى الأطفال. 
كما يمكن تفسير بعض غنائيات ر. كيلي على أنها تتسامح مع الانتهاك الجنسي، ولا يصعب علينا أيضاً أن نجد عناصر معادية للسامية ومناصرة للتحيّز القومي في أوبرات فاغنر، كما ورد آنفاً.لكن هل يهم هذا في شيء؟ إنّ هناك أعمالاً فنية تُعد الآن كلاسيكية تتضمن على نحوٍ متكرر ادّعاءات حول العنصر وأدوار النساء ننبذها في وقتنا هذا. فمسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير، مثلاً، فيها افتراضات معادية للسامية تتعلق باليهود بينما تتضمن مسرحيته الأخرى، "ترويض النمرة"، ما يوحي بكراهية النساء. لكن ذلك لا يقلل من القيمة التي نجدها في هذه الأعمال. المبرر لحظر العمل الفني.
إنّ التفريق بين الفن والفنان يبطل حين يكون قصد الفنان إسناد إيديولوجيا عنصريّة أو جنسيّة. وهو ما حصل، مثلاً، حين استخدمت ليني ريفينستول مواهبها كسينمائية للاحتفاء بنظام هتلر، وحينما دافع د. و.غريفيث في "ميلاد أمة" عن تحيزات الجنوبيين البيض في الولايات المتحدة.
كما أن هذه التفريق يبطل حين يكون الفنان مشهوراً وأنموذجاً لمثال أعلى ويرتكب مثل هذه الأفعال. وقد دافعت مديرة متحف عن رفضها عرض أعمال الرسام دينيس نونا لأن عرض فنه سيدعم فكرة أنه مثال أعلى في موطنه (وهو المسجون بتهمة اغتصاب قاصر).ويكون حظر العمل الفني مبرَّراً طالما يظل الخطر أو الضرر الناجم عن سلوك الفنان قائماً. وقد اعتذر نونا عن أفعاله السيئة وحاول إعادة تأهيل نفسه. وليس هناك في هذه الحالة سبب موجب لمواصلة عدم ظهور أعماله على جدران الصالات. 
وكما يرى البعض ومنهم محامون، أن المهم هنا ليس معاقبة الفنان المسيء، وإنما إحداث تغيير ثقافي عام في هذا الإطار، أي في طريقة التعامل مع حالات الإساءة الحاصلة من الفنان (فناناً سينمائياً كان، أم كاتباً، أم رساماً، أم غيره). وأرى أن معاقبته مع النفور الأخلاقي العام منه أكثر فاعلية من حجب أعماله الفنية. ففي ذلك حماية لوضع الضحايا المحتملين وتحذير لمن تسوّل له نفسه ارتكاب مثل هذه الإساءات كي يتجنّب الإقدام على فعل ذلك. 
عن / conversation