د. محمَّدحسين الرفاعي

ثقافة 2019/11/29
...

د. محمَّدحسين الرفاعي
 
[I] 
ثَمَّةَ ثلاثة طرق للتعرف إلى العقبات المجتمعيَّة في وجه الديموقراطية: I- التعرف إلى الديموقراطية من خلال [النموذج- المثال Ideal-Type] الذي من شأنها، والقياس عليه (من المفهوم إلى الواقع). II- أو التعرف إليها من خلال الواقع المجتمعيِّ ومحدِّداته التاريخيَّة، والكشف عن مكامن التناقض بين الماضي المجتمعيّ، وبين الحاضر (من الواقع في الماضي إلى الواقع في الحاضر)، III- أو التعرف إليها من خلال ممارستها في الواقع الحاضر، والكشف عن المصادر المعرفيَّة والمجتمعيَّة التي تحول دون ممارسة الديموقراطية؛ وفي الوقت نفسه تقوِّضُ صيرورتها (من الواقع المجتمعيّ إلى إعادة بناء الواقع المجتمعيّ). بَيْدَ أنَّهُ ما تشترك به الطرق الثلاثة إنَّما هو تنمية الجهل بوصفه عقبة العقبات في وجه
الديموقراطية. 
 
[II]
يقوم الجهل الجاهل بذاته كُلِّيَّاً، بوصفه العقبة الأساسيَّة الأولى في وجه التعرف إلى الديموقراطية، على الفساد الذي يتخلل البِنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث. ويُعاد إنتاجه بواسطة إعادة إنتاج قوى الفساد، في البِنى نفسها. ولكن، ما هي المصادر المعرفيَّة- المجتمعيَّة التي تُنتج وتعيد إنتاج الجهل، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ؟ 
نتعرّف إلى غياب المعرفة العِلميَّة الحديثة في تناول المسائل المجتمعيَّة الأساسيَّة، وعن طريق هذا التعرُّف، نتوصل إلى المصادر المجتمعيَّة- المعرفيَّة التي من شأن إنتاج، وإعادة إنتاج الجهل في المجتمع.
 
[III]
وهكذا، فإنَّه علينا، من أجل أن نستجلي ذلك، التوقف عند الإعلان، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، عن مصادر تغييب المعرفة العِلميَّة الحديثة عن فهم، وتفسير المسائل المجتمعيَّة الكُلِّيَّة، ومن ثمّ تحديدها. فما هي هذي المصادر، مجتمعيَّاً، وتاريخيَّاً؟
I- عدمُ اِستقلاليَّةِ قوى المجتمع، والفاعلين المجتمعيِّين: يؤدي ذلك إلى غياب المجتمع المدني، والقوى الاِقتصادية- والثقافية، بعامَّةٍ، وقوى المجتمع السياسي، بخاصَّةٍ، التي تعيد تحديد مجال سلطة الدولة. 
II- غياب مفهوم المواطن، وتحوُّله إلى شعار فارغ: حينما يتحول التعدُّد المجتمعيّ إلى تعدُّدٍ محدَّدٍ قبليَّاً، من قِبَلِ سلطة عليا، مهما كانت، يُصبح مفهوم التعدُّد ومفهوم المواطنة القائم عليه، شعاراً سلطويَّاً باحثاً عن اِمتيازات السلطة.
III- غياب الفصل بين المعرفة الدينيّة، والمعرفة العِلميَّة الحديثة، والخلط الآيديولوجي نفسه في الآكاديميا- والتعليم الأوَّليِّ، والعالي: وتحديد المعرفة العِلميَّة الحديثة، في علوم المجتمع والإنسان اِنطلاقاً من الخلط هذا.
IV- المطالبة بالحُرِّيَّة في أدنى مستوياتها: أي اِنتقال الحُرِّيَّة إلى مستوى المطالبة بأدنى شروط العيش، والفعل. 
V- اِختزال المؤسسة المجتمعيَّة في تحديدها من قِبَلِ الدِّين المجتمعيِّ: وتحويل المؤسسات المجتمعيَّة المختلفة على نحو بحيث تكون متناسبةً مع الدِّين المجتمعيّ، ورجاله. 
VI- الإقصاء الآيديولوجي، والبحث عن الوحدة المجتمعيَّة المُفبركة: وإعادة تحديد الوجود المجتمعيّ ضمن مقولات، وشعارات ثُنائيَّةٍ تصنف وتحدِّدُ الجماعات، والفاعلين وفقاً لما 
تبتغيه.