عندما نتحدث عن الثقافة فعلينا أن ندرك بأنّ هناك ارتباطا وثيقا بين الثقافة والفن وبين الثورات الشعبية شريطة ان يكون الإبداع متسقا باحلام الناس وتطلعاتهم وان يكون المثقف أو الفنان مأخوذا بانسانيته بعيدا عن الانتفاع والالتحاق بأي جهة حزبية او فئوية وبعيدا عن المصالح الشخصية التي تحول الإبداع إلى سلعة وتجارة في إطار مصالح آنيّة تزول بزوال الأشخاص. ولقد ظهرت الكثير من الصور الابداعيّة خلال التظاهرات العراقية كان الرسم على الجدران احد اهم صورها المضيئة فضلا عن فعاليات ثقافية وأدبية كثيرة عكست الحضور الواضح للمثقف العراقي المعارض للفساد والمطالب بالعدالة الاجتماعية.
وفي ظل المخاطر والتحديات التي تشهدها الساحة العراقيّة منذ انطلاق التظاهرات في بغداد والمدن العراقية تزداد الحاجة الى دور مهم وخطير للمثقف الواعي والوطني الذي يعمل على توعية محيطه الاجتماعي، فالمثقف هو الانسان الذي يتميّز عن باقي افراد مجتمعه بالقدرة العالية على التفكير والتحليل وادراك المخاطر والتحديات التي قد يتعرض لها المحيط الاجتماعي الذي ينتمي اليه وقدرته على التعبير بما يؤثر في قناعات الناس ومساعدتهم في تكوين الآراء واتخاذ المواقف المطلوبة منهم، اذ يعد النقد أحد أهم أبعاد دور المثقف، سواء كان نحو السلطة وسياساتها أو كان موجها لأي فكر سياسي أو ديني أو اجتماعي. ومن هنا كان من الطبيعي أن تزداد الحاجة لدور مهم للمثقف كلما ازدادت التحديات التي تواجه الشعوب والمجتمعات. فكما يعرف الجميع أنّ ما يحدث اليوم في العراق من تظاهرات واحتجاجات كان نتاج البناء الخاطئ للعملية السياسية ولحالة الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة والذي ادى الى الاضرار بالمصالح العليا للشعب واهدار المال العام والتقصير في تقديم الخدمات. وهكذا كان هناك دور كبير المثقف الحقيقي في توعية الجماهير بما يحدث حيث لعب المثقف عبر تواجده في صفحات التواصل الاجتماعي او من خلال وجوده في منظمات المجتمع المدني او الاعلام الوطني دور المعارضة والمراقبة على المؤسسات الحكوميّة في ظل غياب دور المؤسسات الرقابيّة كالبرلمان والمؤسسات الرقابية الاخرى في رصد الفساد والتصدي للفاسدين طيلة السنوات الماضية. وهناك حقيقة مهمة لا بدّ ان نقولها في هذا الاتجاه وهي أن الحكومات والأنظمة عبر التاريخ قد اكتشفت هذا الدور المهم للمثقف، فقامت بمصادرته عبر الكثير من الممارسات والإجراءات، كان في مقدمتها القمع والعنف ضد أي أفكار وثقافة مضادة لفكر وثقافة السلطة. مانريد أن نقوله في الختام بأنّ المسؤولية التي تقع على عاتق المثقف هي مسؤولية كبيرة وتاريخية وعليه ان يتقن التحليل والنقد والتوجيه والتوعية فهو القائد من خلال قلمه وفعالياته التي يتابعها الكثير من شرائح المجتمع ويبنون عليها قناعاتهم وسيتوقف عليها مستقبل الوطن. وان لايترك الساحة للجيوش الالكترونية المعادية التي تحرّض على العنف والفوضى ولاتريد الخير للعراق.