محمد يونس
ليس من قبيل المصادفة ما مرت به أحزاب عدّة في العراق منها له تاريخ ومنها ما هو جديد، إذ أنّ وجه المسألة لا علاقة له بتاريخ الاحزاب او انيتها، حيث وجه المسألة يرتبط بقضية حساسة لم تعرها الاحزاب في العراق اي اهمية وهي ترتبك بعدم وجود مبدأ سياسي ترتكز عليه الاحزاب وينطلق منه خطابها، وفقه ايضا ترتّب المواقف السياسية لأي حزب من تلك الاحزاب، وبه يقدم نفسه في الواقع السياسي، لكن لفقدان ذلك المبدأ، صارت الحياة السياسية طولا وعرضا بلا تحديد، او هناك تصنيف خطابات غير محدد في التسمية، اي لا يلامس اسم الحزب بل مضمونه السياسي، ولم يهتم اي حزب في عراق ما بعد 2003 بذلك الامر، وتجاوزه الى الطموح السياسي واستهداف تقاسم المغانم في نظام المحاصصة، وربما التي صارت حقوقا حزبية حسب الاعراف السياسية السائدة، ولم ينتبه حزب لذلك الخطر، وانصب على الاهتمام فقط بالربح المادي، وانعدم اي ربح مضموني لدى جميع اعضاء الحزب، وهذا ما سبب بعد تصاعد ايقاع استهداف الغنائم ماديا من تعارض – تنافس او غيرة – والذي هو وحّد من الاسباب الاساس التي تؤدي الى وجود جبهات سياسية داخل الحزب الواحد، والتي هي تتعارض حسب مستوى المصالح، وربما تتنافر اكثر بما يسببه روح التنافس، وهنا قد يجعل من انقسام الحزب من ثمّ حالة مفروضة، وهذا ما هدفنا الوصول اليه والوقوف عنده. اذا سلمنا بأنّ التنافس غير المنطقي حالة مرضية، فتلك الحالة لا بدَّ لها ان تتطور اكثر فاكثر، وتنتج بعد ذلك من خلال تطور المرض، حالة من التنافس الاقصائي، والذي يتطور نفسيا الى بعد عدواني، وهذا يعني ان المكون السياسي قد يتعرض الى هجمة شرسة من الداخل، مثلما يتعرض الى هجمات من الخارج، وذلك من الخصوم الساسة، والذين تعارضوا مع ذلك المكون على الغنائم، وهجمة من خارج مكون حزب ما هي مكشوفة له، لكن الهجوم من الداخل يشكل امرا عصيبا، إذ يكون من شخوص يعلون الولاء الخالص لحزبهم، لكن في داخل نفوسهم ينقضون ذلك الاعلان، والتطور بلغ حدا كبيرا، فنجد ان هذا المكون الحزبي ينقسم على نفسه، ويصبح اكثر من مكون واحد، وكلما تفاقم الصراع الداخلي في مكون سياسي، زادت نسبة الانقسام، فالمعادلة هنا هي عكسية، وهنا ننتج تفسيرا نوعيا لنا، ويرى ذلك التفسير، أن انعدام المبدأ الفكري لأي حزب، يؤشر انعدام الولاء الحقيقي بنسب كبيرة، وعلى وجه الخصوص اذا كان هذا الحزب لايملك تاريخا له تأثير على كوادره، وكلما قلّ تاريخ الحزب توسّعت حالة انعدام الولاء، لذا نرى أن احزاب ما بعد 2003 مرت بظروف سياسية تؤشر على انحدار مؤشر الولاء، وكذلك انعدام التماسك في بنية الحزب، وكون عدم التماسك الفاعل هو وجه اشكالية سياسية، إذ يمثل ذلك المكون الحزبي شكلا ضعيفا وانعداما مضمونا له قيمة
سياسية. إنّ علم السياسة يقف مستغربا ازاء التحولات السياسية في أن يكون هناك مكون ينقسم عدة مرات، فذلك يدل على أن هناك خللا في المنظومة، وذلك الخلل من المؤكد يؤثر في جميع الجوانب، ومن ثمّ سوف تتخلخل جميع انحاء المنظومة السياسية من كل جوانبها، وسيكون هناك جذب لها من كل جهة اتوقراطية، وبذلك قوة الجذب ستنفصل الى ما فكرت به، واستقر على (أنّه نهج جديد كليا للتعامل مع الاشياء.
لا بدّ لنا من أن نكف عن انتظار انبثاق التغيير من سياسيين غير موثوقين)1، وذلك التحول لكسب غنائم اكثر، وليس انسحابا من جهة سياسية، وذلك لكونها تخلت عن موقفها الوطني، بل لأنها سيطرت على الغنائم وهي التي تتحكم بتوزيعها، وطبيعي قطب الحزب له الحصة الاكبر، والانفصال الاميبي سيوسع الاشكال، إذ سيكون هناك قطب جديد ايضا ستكون له السلطة العليا، وهذا ما جعل البعض منهم يسمى العراق – الكيكة-، والتي لا بدّ من
اقتسامها.
1 - الثورة بلا قيادات – كارن روس- ترجمة فاضل جنكر – سلسلة عالم المعرفة – ص 21
إنّ تفسير اي انقسام اميبي، لا يعني فقط انقسام حزب على نفسه، بل هناك مدلولات أخرى ابعد واخطر، فهو سيكون انقضاضا من كل الجهات على بنية الدولة، فضلا عن ذلك سيكون على حساب البعد الوطني هناك هواجس خوف من عدم العدالة في تقسيم الغنائم، إذ ان للانقسام الاميبي هناك بعد نفسي حساس، حيث تجد ان كيانا تولد من كيان اخر سيخاف منه، وهنا يكون لا اعلان لذلك الخوف، فيعتبره المكون الجديد انهزاما او ضعفا، لذا لايجسده بل يعلن ما يعاكسه.