تواجه سريلانكا خطراً رئيساً يكمن في عدم استقرار الاقتصاد الكلي وستتوقف مسألة تحجيم هذا الخطر قبل كل شيء على ما إذا كان رئيس البلاد المنتخب مؤخراً "جوتابايا راجاباكسا" قادراً على تبني سياسات شاملة، وفقاً لرؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت" لكبير المستشاريين الاقتصاديين في الحكومة الهندية السابق "آرفيند سوبرامانيان".
كانت هذه الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي ذات أداء يتسم بالتألق في فترة سابقة، وفي السنوات التي أعقبت الاستقلال عام 1948، فإنَّ التقدم الذي تحقق في المؤشرات الاجتماعية البارزة مثل الفقر ومعدلات وفيات الأطفال والتعليم الابتدائي أسهم في تجاوز سريلانكا للدول المجاورة لها أمثال الهند وباكستان وبنغلاديش، وكان هذا الوضع بمثابة مثار حسد كثير من الدول النامية.
لكن خلال العقود الأخيرة كانت الانقسامات والصراعات بمثابة الآفة التي أصابت البلد، ونتيجة لذلك، فإنَّ سريلانكا كانت عرضة بشكل لافت للنظر لعدم استقرار الاقتصاد الكلي.
وبحسب البيانات التي جمعتها "كارمن رينهارت" و"كريستوف تريبش"، فإنَّ سريلانكا قضت نحو 70 بالمئة من آخر أربعة عقود تعمل على تحقيق الاستقرار بالاقتصاد الكلي عبر برامج صندوق النقد الدولي.
أزمات متزايدة
تعاني سريلانكا من الانقسامات على مدى العديد من الجبهات المختلفة، وخاصةً الأيديولوجية والأصل العرقي واللغة والدين، ويمكن القول إنَّ الخطيئة الرئيسة لسريلانكا كانت التأكيد على الهيمنة اللغوية في تكريس اللغة السنهالية كلغة رسمية في دستور 1956.
وبحلول سبعينيات القرن العشرين، كانت سريلانكا تواجه عصياناً شيوعياً، ثم جاء الصراع العرقي المستمر منذ عقود، والذي شمل التاميل (الحركة السريلانكية الانفصالية)، وتسبب تقريباً في تقسيم الجزيرة.
وبعد انتهاء تلك الحرب الوحشية في العام 2009، جاءت الانقسامات الدينيَّة في المقدمة والتي ظهرت في تفجيرات عيد الفصح في وقت سابق من هذا العام من قبل متطرفين إسلاميين، اذ خلفت تلك الصراعات خسائر اقتصادية فادحة.
خسائر اقتصاديَّة
تميل المجتمعات ذات الاتفاقيات الاجتماعية والاقتصادية المستقرة بين المواطنين والدولة إلى تسجيل معدلات قوية من التحصيلات الضريبية، الأمر الذي يعكس الرغبة على نطاق واسع لتقاسم أعباء الدفع مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة.
لكنْ في سريلانكا، فإنَّ نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 12 بالمئة ، مع حقيقة أن الضرائب على الدخل تمثل أقل من 25 بالمئة ، وتعد هذه الأرقام منخفضة بدرجة غير عادية بالنظر إلى الرخاء النسبي الذي تشهده البلاد.
وكانت هذه الإيرادات غير كافية بشكل واضح لتغطية احتياجات الإنفاق الحكومية وخاصةً مع نهاية الحرب الأهلية وما أعقبها.
ودفع ذلك سريلانكا للبدء في سلسلة من عمليات الاقتراض الخارجي في أوائل هذا القرن، ما دفع نسبة الدين إلى الصادرات لتقفز إلى 270 بالمئة .
وعلاوة على ذلك، أصبح هذا الدين مرهقاً على نحوٍ متزايد، إذ ارتفعت حصة الاقتراض بشروط غير ميسرة من نحو 25 بالمئة لتكون بالقرب من 70 بالمئة.
وبالفعل ثبت أنَّ الدَيْن لا يمكن إدارته بالفعل، كما أنَّ سريلانكا اضطرت لدفع ثمن مهين، إذ قامت بتسليم ميناء هامبانتوتا وأراضٍ إلى الصين من أجل تسوية جزءٍ من تلك الديون.
وكان العامل الأخير الذي يزيد من نقاط ضعف سريلانكا هو التباطؤ الحاد في نمو الصادرات منذ العام 2000، أيّ قبل انهيار التجارة العالمية بكثير.
وفي الواقع، كانت سريلانكا تتخلى عن العولمة منذ ما يقرب من عقد بينما كان بقية العالم يتجه نحو العولمة بشكل مفرط، وهو ما كان مرتبطاً كذلك بالصراع الاجتماعي.
ويبقى أنْ نرى الاتجاه السياسي الذي ستسلكه سريلانكا تحت ولاية راجاباكسا، ولكنْ إذا اتبعت الحكومة سياسات غير شاملة، فمن شبه المؤكد أنَّ هذا سيؤدي إلى ضعف تعبئة الموارد والاعتماد المستمر على التمويل الخارجي بشروط مرهقة، فضلاً عن انخفاض معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة ونمو الصادرات الراكدة.
وفي ظل تلك الظروف، فإنَّ مسألة استقرار الاقتصاد الكلي ستظل هدفاً بعيد المنال، كما يُعد التحدي أمام رئيس سريلانكا الجديد بسيطاً بقدر ما هو صارم الذي يتمثل بمنع الدولة التي كانت في يومٍ ما "نجمة آسيا" من التحول إلى نموذج الأرجنتين.