تعدُّ السياحة من عناصر التنمية المستدامة، خصوصاً بعد هيمنة هواجس مستقبل الريع النفطي بقلق أسعاره وتقاطعه مع ستراتيجيات المناخ الأخضر، فالسياحة بجناحيها التقليدي والديني موردٌ لا ينضب بل يتزايد مع الزيادات السكانيَّة ومع تواصل الثقافات وتطورها، فضلاً عن أنها ستسحبُ كثيراً من الأنشطة والحرف والفولكلور والمهارات ذات العلاقة، كما أنها وسيلة عرض لأنشطة الاقتصاد الحقيقي بزراعته وصناعته، لتتعشق القطاعات الثلاثة وتتكامل بإيقاعٍ واحدٍ، منهية حقبة النمو العشوائي وتحدياته وهشاشته.
ولكي تزدهر السياحة الدينيَّة وتتكامل مع التقليديَّة، لا بدَّ أنْ تكون هي قاطرة السياحة كونها الأكبر من حيث أفواج السائحين والأكثر من حيث المواقع (مقامات ومراقد مقدسة ومواقع تراثيَّة عريقة)، وحتى تكون قائدة رائدة يتوجب توحيد مواردها وخبراتها في إدارة هذا الملف، متفوقة على جميع الدول الإقليميَّة بتنوع تراثنا.
فالمراقد التي تضم أربعة أنبياء (ع) وأقدم كنيسة في الشرق الأوسط وأغلب الأئمة المعصومين (ع) ومؤسسي مذاهب فقهيَّة، ناهيك عن المتصوفة وغيرهم الكثير، يجعل الطريق سالكة لوحدة الهدف التنموي الوطني.
إنَّ الطبيعة الإدارية لدواوين الأوقاف مختلفة عن الإدارات التقليديَّة في الدولة، من خلال علاقتها بمراجعها غير الرسميَّة وطبيعة تعاطيها مع هيئة الرقابة الماليَّة، ما يجعل منها أقرب للاقتصاد الرمادي أو الموازي للاقتصاد الكلي.
هذه الظاهرة لا تخدم التنمية المستدامة إذا ما فكرنا بكيفية إنعاش الأهوار مثلاً، التي تحظى برعاية اليونسكو والتي يتوحد عندها قربها من مرقدي إبراهيم الخليل والعزير (عليهما السلام)، لم نسمع عن مشروع طرح حول هذا الهدف، أو تطوير بنى تحتيَّة لقلعة أربيل بأموال الأوقاف التي تكون جدواها الاقتصاديَّة لهم مناسبة، وهكذا للمواقع التراثيَّة البغداديَّة بإزاحة غبار السنين عنها، وكذلك لم نلمس علاقات تعاون بين الدواوين الثلاثة من خلال مشروع مشترك لتطوير مرقد أبي الأنبياء إبراهيم في أور والتراث الأقدم.
إنَّ من طبيعة الأمور أنْ تختلف الأطراف المعنيَّة، ولكن ليس من طبيعتها أنْ يتأبد الخلاف لكونه سيأخذ أبعاداً لا وطنيَّة ولا تنمويَّة أمام تحديات تواجهنا موحدة، كما أنه يستحيل إقامة تنمية مستدامة من خلال أجهزة منقسمة متنافسة لم يجمعها مشروع وهدف واحد، ولذلك كان ورغم توفر جميع عوامل الازدهار الموضوعيَّة نجد أنَّ الإرادة تشلها اجتهادات لا تناسب الواقع الحالي للبلد.
لذلك يبدو الرهان كمجازفة على إدارة السياحتين بشكلها الحالي، نظراً لتوزعها بين مناطق ومصالح
لا تخدم السياحة التقليديَّة رغم أنَّ الدينيَّة منها ستزدهر بشكلها ومضمونها في المحبة والتسامح، ما يخدم العمل السياحي كمنتجٍ رئيسٍ وكبنية تحتيَّة للسياحتين المتكاملتين.