برزت الحاجة الى إعادة ترتيب الهياكل الإداريَّة في جميع مؤسسات الدولة وتطعيمها بقيادات شابَّة، وبما يضمن تحصينها من منظومة الفساد التي باتت الصبغة المؤشرة على أغلبها وبغض النظر عن نسب المفسدين فيها.
إنَّ حواضن الفساد مُعَشِّشة في أقسامٍ متنوعة في مؤسسات الدولة، خصوصاً تلك التي تمتلك مفاتيح التصرف بالمال العام وهي أقسامُ العقود والإحالات والماليَّة والمحاسبيَّة. كيف السبيل لضبط إيقاع هذه الأقسام؟ الجواب ببساطة هو تغيير إدارات هذه الأقسام واستبدالها بكفاءات محاسبيَّة من الشباب الجدد والذين يمتلكون التخصصات الجامعيَّة في أقسام المحاسبة والمحاسبين القانونيين والإدارة والاقتصاد والقانون ونشرهم في المديريات المسؤولة عن إدارة المال العام، خصوصاً المعنيين بالعقود الحكوميَّة وأقسام الرقابة والتدقيق، شريطة استبعاد المتغلغلين في هذه الأقسام وعدم اختلاطهم بهم كي لا يجروهم الى ذات الطرق الملتوية المغرقة بالفساد على قاعدة (لا تربط الجرباء حول صحيحة.. خوفاً على تلك الصحيحةِ تجربُ).
رب من يتحجج بخبرات تلك الإدارات، أقول: يمتلك العراق نقابة المحاسبين والمدققين تضم بين ثناياها كفاءات وخبرات قادرة على تدريب الإدارات الجديدة ومشهودٌ لهم بخبراتهم ونزاهتهم، ولن يدخروا جهداً في تقديم الخبرة والمساعدة والمشورة للشباب الجدد.
كما بالإمكان استقدام شركات تدقيق عالمية لتقييم أداء وتدريب الشباب في بداية الأمر وتدريبهم على نحوٍ يغني معرفتهم بالمعايير المحاسبيَّة الدوليَّة الرصينة والسليمة لضمان ضبط حركة المال العام في تنفيذ المشاريع، وبذلك سيسهم هذا الحل في إصلاح الخلل في هذه الأقسام ويعمل على تفكيك منظومة الفساد فيها. لقد أصبح الحراك الشبابي علامة دالة في طريق تحقيق الإصلاحات الحقيقيَّة، خصوصاً في الجانب الإداري وإدارة المال العام بشكلٍ سليم من خلال صيحات الشباب ودعواتهم لمكافحة الفساد وبما يقود الى تحقيق الإصلاح الاقتصادي بشكلٍ فاعلٍ لعلاقتهما الجدليَّة.
صورة أخرى من اللوحة التي نرسمها لمستقبل العراق الجديد تلك التي تتحدث عن هيكلة إدارة المؤسسات وهي جزئيَّة لا يمكن تخطيها للسيطرة على
إدارة المال العام.
وبموازاة ذلك نحتاجُ الى إعادة هيبة ودور ديوان الرقابة الماليَّة وتدعيم كوادره بالشباب من ذوي الاختصاصات آنفة الذكر.. تلك المؤسسة العريقة للعب الدور الأكبر في محاصرة حواضن الفساد وعدم إفلاتها من العقاب القانوني العادل وقيامها بتحويل حالات التلاعب الى القضاء، وهنا تكمن مسؤوليَّة محاكم النزاهة بالاستناد الى تقارير وتقييمات ديوان الرقابة الماليَّة بهذا الخصوص. وفوق هذا وذاك لا بدَّ من تفعيل وعودة قوة القانون وإبرائه في مكافحة الفساد وهدر المال العام، وليس في هذا المجال وحسب، إنما في جميع مرافق الحياة والدولة، ذلك لأنَّ القانون هو مظلة الأمان والحرية والديقراطية وتحقيق العدالة المنصفة. نتابع كي نرى.