التّمثيل الثّقافي حين يكون نسويّاً

ثقافة 2019/12/01
...

د. نادية هناوي
 
 
 التمثيل إرصاد فكري به نستبصر المغيّب ونستجلي المخفي. والهدف هو الحقيقة التي هي محصلة التمثيل ونتيجته المرتقبة والمرصودة. وقد ناقش المفكر ادوارد سعيد قضية التمثيل والكيفية التي بها يستطيع المثقف تجاوز حالات النفي والتهميش والاقصاء، رامياً من وراء مصطلح التمثيل دلالتي الصورة والاحتجاج معا، بناء على فرضية أن (المثقف بوصفه يمثل بوضوح موقفا من لون ما، هو شخص يقدم صورا تمثيلية مفصلة إلى جمهوره من شتى ألوان الحواجز والعراقيل). 
ولا مناص من أن يكون التمثيل في منطقة وسطى بين التخييلي والواقعي، ولئن كان التخييلي محتملا والواقعي مؤكدا؛ فإن التمثيل سيكون ممكنا، وعندها لن نحتاج إلى تحديد المسافة الجمالية الفاصلة بين المتخيل والواقعي. والتمثيل كصورة ذهنية ليس رهنا بالقارئ الضمني أو الافتراضي، وإنما هو رهن بالقارئ الفعلي الذي سيحوّل الصورة الذهنية إلى صورة بصرية.
 ولا تغدو الكتابة الإبداعية نسوية، إلا إذا استطاعت التمثيل ثقافياً على المرأة وبفاعلية تقتنص تموضعات التعبير عن الذات المؤنثة وعلاقتها بالآخر ومقترباتها في التفكير بأنوثتها وتحولات هذه التموضعات ومتغيرات تلك المقتربات في خضم المرحلة ما بعد الحداثية. 
إن لكل توجه علمي أو حقل معرفي تمثيلاته الخاصة، فهناك تمثيلات ذهنية وأخرى صورية وتمثيلات نسوية وأخرى رجالية وقد يكون التمثيل بمثابة تمذهب ذاتي أو تموضع غيري، باتجاه مسار بعينه وقد يكون تقعيدا فكريا يتبدى في شكل بحثي ممنهج ورؤيوي.
لا خلاف أن لتمثيل النسوية كقيمة وقضية، أشكال ثقافية عديدة، وتعد الانثوية واحدة من أشكال التمثيل النسوي التي ميدانها الكتابة الابداعية الشعرية والنثرية. وهذه الأنثوية نفسها لها في الابداع الروائي الذي تنتجه الكاتبة العربية تمثيلات تعبر من خلالها عن صوتها كذات مؤنثة ترفض التلبس بالذكورية، متعالية على التبعية، ومتبرمة من الخضوع للمنظومة الثقافية البطريايركية.
ليكون الصوت النسوي صدى أنثوية تريد أن تتحرر كي تظهر، كصيرورة فكرية لا كمتعة جسدية. وهو ما تباركه أديبات ما بعد الحداثة وقد تشير إليه عرضا بعض أدبيات ما قبل الحداثة أيضا متنبهة (إلى جدارة التفكر في الذات بوصفها مشتركا كونيا وأفقا يلم شمل انسانية منعتقة من أفق اللاهوت وسائرة في طريق العلمنة والخروج من السحر الذي سبحت فيه ألف سنة) 
ولعل فرجينيا وولف السبّاقة في التدليل على العلاقة بين النساء وكتابة الأدب وهي التي قاربت بين المرأة والرواية والمرآة، فالرواية فن نسائي والنساء هن أول من كتبن الرواية، كجورج اليوت وشارلوت برونتي وجين اوستن، لكن النساء وعبر قرون من الزمن كن كالمرآة التي عكست صورة الرجل مضاعفة عن حجمها الطبيعي فظلت أمجادهن في طي الغيب، وهذا ما استغلته الفحولة وحرصت على إظهاره دوما كي تثبت دونية النساء. وقد مثّلت فرجينيا وولف على الفحولية بنابليون وموسوليني وغيرهم من الذين أدركوا انهم لا يتميزون ولا يكبرون وأنهم يتوقفون عند حجم معين لو لم تكن النساء أدنى وأقل. 
ويعد نيتشه من الفلاسفة ما بعد الحداثيين، الذين وقفوا عند قضية التبعية التي تعني الافراط في الوعي التاريخي الذي يحاصر الانسان والذي يمنعه في الوقت نفسه من ابتكار أي تجديد تاريخي حقيقي، مشيرا إلى أن" غريزة الأم لدى المرأة قد أبقت المرأة دائما في وضع التابع. وهو الذي وقف في صف المهمشين، نابذا المركزية كونها تتيح (للأكثرية الساحقة من بني الموتى والمستضعفين والمقهورين من كل نوع أن يخدعوا أنفسهم تلك الخدعة العظمى التي تقوم على اعتبار الضعف نفسه حرية وتنظر إلى هذه الحالة الحتمية أو تلك بوصفها أمرا جديرا بالثناء)  
وعلى الرغم من رفضه لمسألة مساواة الحقوق بين الجنسين، التي عدَّها مرضا إلا أنه ناصر النزعة الانثوية من منطلق أن المرأة كلما كانت أكثر أنوثة.. تعدت بيديها وقدميها لكل أنواع القوانين والحقوق فالوضع الطبيعي.. يمكِّنها من تبوء مرتبة الفوز بتفوق هائل، وآمن أن أوصافا مثل المرأة الراقية والنمط المثالي وتحرر المرأة كلها تحطُّ من منزلة المرأة معتبرا المتحررات مجرد فوضويات في عالم الانثى الخالدةـ بحسب وصفه ـ ولم يسمح للمرأة أن تتخلى عن النزعة الانثوية، من منطلق أن المرأة إذا كانت لها فضائل ذكورية فيجب تجنبها وهو يرى أن الفحولة أصبحت واعية بذاتها أي أن الرجال الآن يكتبون بالجزء الرجولي فقط من أذهانهم بينما المرأة المتكاملة ظلت تقترف الأدب كما تقترف خطيئة غير مميتة على سبيل التجربة بلا إلحاح بالتفاتها لكي ترى هل لحظناها او لكي نلحظها.  
ولبول ريكور وجهة نظر أنثوية بازاء الكون فمقابل تعالي السماء إمتلاء أرضي وشيك يتمثل في ازدياد اعداد القطعان وإخصاب رحم الام وهو يطابق بين التربة المحروثة والعضو الانثوي كما يشبه خصوبة الأرض برحم المرأة كميلاد وربيع. ومن الطروحات الغربية الليبرالية المتحررة التي تتعلق بأهمية التوجيه الفكري الثقافي والايديولوجي للمجتمع بعيدا عن مفاهيم السيطرة والقوة والتغليب، ما قدَّمه الفيلسوف انطونيو غرامشي في تبنيه لمفهومي المجتمع المدني والهيمنة؛ فالمجتمع المدني عنده بديل عن المجتمع السياسي كونه يفرض سيطرته على الخطاب الغربي بالقوة بينما يسعى المجتمع المدني إلى فرض هيمنته
 أيديولوجيا.