إلغاء مجالس المحافظات والعودة الى المركزية الإدارية

آراء 2019/12/01
...

 
عبدالزهرة محمد الهنداوي 
الحديث عن مجالس المحافظات، لم يكن إيجابيا في اغلب تفاصيله على مدى السنوات الماضية، منذ تأسيسها بموجب الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥ الذي نص في المادة (١٢٢)، على تشكيل هذه المجالس ومنحها سلطة تشريعية واسعة، ربما لاتختلف كثيرا عن سلطات مجلس النواب، من خلال عدم خضوعها لسلطات الحكومة الاتحادية، كما يتم تشكيل مجلس المحافظات عبر انتخابات محلية يشارك فيها ابناء الشعب، كما هو الحال في انتخابات مجلس النواب، ومن صلاحيات مجلس المحافظة، تسمية المحافظ، واختيار رؤساء الدوائر المحلية الخدمية والأمنية، فضلا عن متابعة ومراقبة اداء المحافظ، والمصادقة على خطة المشاريع السنوية، ومتابعة التنفيذ والإنجاز لتلك المشاريع، ويبدو ان المهمات الموكلة لمجالس المحافظات، ليست سهلة، ما دعا المراقب الى طرح سؤال كبير، هل كانت المجالس بمستوى هذه المسؤولية؟ وإذا كانت قد نجحت فعلا في مهمتها، فلماذا عمد مجلس النواب الى تجميدها ومن ثم الغائها؟..
قلنا ان الحديث عن المجالس المحلية، لم يكن إيجابيا، فهناك الكثير من الملاحظات، والمؤاخذات، التي تُسجل باستمرار، منها مثلا، ان الاداء في مساحات واسعة منه، لم يكن مهنياً، إنما كانت تحكمه الأهواء السياسية والمصالح الفئوية للأحزاب، على اعتبار ان الانتخابات التي تجرى لاختيار المجالس، إنما تأتي من رحم المحاصصة الحزبية، وتكون الكلمة للأحزاب ذات النفوذ الأوسع،.. غياب المهنية هذه القت بظلالها القاتمة على الواقع الخدمي، وتنفيذ المشاريع الاستثمارية، الأمر الذي تسبب بتردي الخدمات وسوء الواقع بنحو عام، ولعل ذلك كان احد الأسباب التي دفعت الناس الى التظاهر في اغلب المحافظات، هذه التظاهرات التي أخذت مديات بعيدة جدا، وحلقت في اجواء واسعة من دون سقوف، فتحولت من تظاهرات للمطالبة بالخدمات الى تظاهرات بمطالب سياسية ترتبط بتعديل النظام السياسي وسن قانون جديد للانتخابات ومفوضيتها، كما ان من بين تلك المطالب، الغاء مجالس المحافظات..
اللافت للنظر، ان الخلافات لم تغادر بيوت الحكومات المحلية في المحافظات، فعلى الرغم من ان المحافظ يأتي بناء على اتفاق وتوافق اعضاء المجلس، الا انه مجرد ان يدخل الى مبنى المحافظة، حتى تدخل العلاقة بين الطرفين نفق الخلاف، ويظهر ذلك جليا من خلال التأخير الطويل في المصادقة على الخطط السنوية للمحافظات، وقد يصل هذا التأخير الى نهاية العام، وسبب هذا الخلاف، هو اختلاف الإرادة، ومحاولة كل طرف من الأطراف المكوّنة للمجلس، ادراج المشروع الذي يلائم أهدافها، التي قد تكون انتخابية، او عشائرية، او سياسية او حتى مالية، ولنا ان نتصور حجم المشكلة التي تنتج عن هذا التأخير  على الواقع الخدمي، الذي يشمل الطرق، والماء والمجاري والكهرباء والسكن والصحة والتعليم والزراعة، وغيرها، لاسيما مع بسط سلطة المحافظات بنحو مطلق على برنامج تنمية الأقاليم، من حيث ادراج المشاريع والإنفاق عليها ومتابعة تنفيذها،  وفي الكثير من المحافظات، وصل مستوى الخلافات الى حد تغيير المحافظ اربع مرات خلال ٢٤ ساعة !! .. مقابل ذلك، كانت مجالس المحافظات تكلف الموازنة الشيء الكثير لتأمين متطلباتها من رواتب وبنايات وسيارات وحمايات، وغير ذلك، ولكن، المخرجات لم تكن بمستوى ما مطلوب منها تأديته.. وهذا الحديث يقودنا الى الفضاء الذي نحن بصدده الان، وهو قرار مجلس النواب بإلغاء مجالس المحافظات، فهل كان القرار موفقا؟، بطبيعة الحال ان الكثيرين رحبوا بالقرار، عادين إياه، خطوة مهمة باتجاه الاستجابة لمطالب المتظاهرين، خصوصا، انه وبموجب هذا الاجراء، ستناط مهمة اختيار المحافظين لمجلس النواب، او ربما لرئيس الجمهورية، فقد قُرئت هذه الجنبة، على انها تقويض للسلطات اللامركزية، والعودة بنحو تدريجي الى المركزية الادارية، ومما لاشك فيه ان لكل من الأسلوبين ميزاته الإيجابية والسلبية، مع ترجيح، المركزية الادارية في الجانب التنموي على الأقل، بعد التدهور الكبير في تنفيذ المشاريع، نتيجة تعدد جهات القرار، والتقاطع الحاد بين تلك الجهات،.. وهنا يقفز سؤال اخر الى الواجهة، إذا ما سلمنا بان اجراء الالغاء كان سليما، هل يملك مجلس النواب، صلاحية إلغاء مجالس المحافظات، التي تأسست بموجب مادة دستورية؟ .. أكيد ان أي اجراء يتعارض مع الدستور، يتطلب تعديلا دستوريا، قبل المضي في مايجب عمله، ولكن مايمكن الإفادة منه هنا، هو ان مجالس المحافظات انتهى عملها قانونيا، بعد ان لم يتم اجراء الانتخابات المحلية في موعدها المحدد، وتأجيل الانتخابات المفترضة، لأكثر من مرة، ولكن الأهم من هذا كله، هو ان تكون الخطوات الإصلاحية التي يتم اتخاذها، ذات مخرجات ملموسة، وتنعكس بنحو واضح على الواقع الحياتي للناس بنحو عام ..
وكما قلت في بداية الحديث ان الكثير من الكلام  عن مجالس المحافظات، كان سلبيا، ومعنى هذا ان ثمة كلاما ايجابيا في المقابل عن تلك المجالس، والإيجابي هنا  يعني، ان بعض المجالس، كانت منسجمة ومتماهية مع واقع محافظاتها، وكانت متعاونة مع المحافظ في الكثير من القضايا.