أزمة انتماء

آراء 2019/12/01
...

حسين رشيد
 
تشير تقارير هيئة النزاهة المعلنة الى انها بصدد استقدام العديد من الساسة والنواب والمسؤولين السابقين والحالين متهمين بقضايا فساد وهدر المال العام، لكن حتى الان لم نتلمس من هذه الاجراءات ما يبشر بوقف الفسادة واستعادة الاموال المسروقة، كما لم نتلمس أي اجراءات فعلية بوقف نهب الاملاك العامة وخاصة الحدائق والمتنزهات التي تحول اغلبها إلى مولات استهلاكية لماركات ملابس تجارية ومطاعم الاكلات الغربية. مثلما لم نتلمس أي اجراء حقيقي باستعادة اهم مفصل وطني متمثل في اعادة الصناعة الوطنية العراقية.
الكثير من وزارات البلاد تتجه الى الخارج وتعطي ظهرها لما متوفر من الانتاج الوطني يساعدها ذلك الهوس الذي يركب رؤوس المسؤولين من أن تشغيل مشاريع الدولة الكبرى سيعود بالضرر عليهم وعلى كل المتحالفين معهم من لصوص السياسة والاقتصاد الجدد الذين كدسوا الثروات من نهب المال العام بانتظار لحظة الوثوب على مؤسسات ومشاريع القطاع العام لشرائها بثمن بخس! إذ أن مثل هذا الأمر سيرفع من قيمة تلك المشاريع ويرفع من مستوى دورها في الاقتصاد العراقي مما يعقـِّد مسيرة الأستيلاء عليها . 
وللتعاقدِ مع الخارج، في عُرْفِ هؤلاء اللصوص (فضيلة) عظيمة تتمثلُ بالرشى والعمولات التي يشترك بها طابور طويل من الموظفين والمسؤولين صغارا وكبارا وكل من يُبدي استعداداً للإمساك بالمال القذر والتخلي عن عزة النفس واحترام الذات. ولكن الأخطر من وجهة نظرهم على الاطلاق هو ان تشغيل القطاع العام ومشاريعه الكبرى وإضافة مشاريع جديدة سيؤدي، وهنا مكمن الخطر الحقيقي، إلى تزايد أعداد العمال وبروز الطبقة العاملة كقوة فاعلة في الاقتصاد والمجتمع العراقي. 
والجميع يعتقد أن هذا الأمر سيؤدي إلى متاعب جمّة لأن الطبقة العاملة العراقية تمتلك تراثا نضاليا ووطنيا عظيما ويتجسّد خطرُها في أنها ستقطع الطريق على كل اللصوص الذين أضاعوا على الشعب العراقي قرابة تريليون دولار من أمواله وقرابة ستة عشر عاما من الزمن الثمين الذي كان من الممكن أن يدفع بالعراق الى مستوى عظيم من التطور والبناء وحل المشاكل التي تنغص اليوم على العراقيين حياتَهم .. مثلُ هذا البناء سيقطع الطريق على قوى الارهاب من أن تحصل على إسنادها البشري من بين صفوف العاطلين عن العمل وبالتالي سيفقد أبطال الفساد الإداري والمالي والأخلاقي الخيمة التي يستظلون بها ويمارسون لصوصيتهم وقذاراتهم بفيئها ألا وهي الفوضى السياسية و الاقتصادية التي نراها اليوم والتي من دونها لن يجدَ فاسدٌ أيةَ فرصةٍ لتمرير فساده ولذلك ليس خطأً القولُ "إن الأرهابَ والفسادَ وجهان لعُملةٍ واحدةٍ" ويمكن للتنمية الصناعية ان تسهم بقسط كبير في حل مشكلة البطالة بما توفره من فرص عمل، وفي تكوين الدخل الوطني الذي يعتمد على عائدات النفط اعتماداً يكاد يكون كاملاً.
دعم الاقتصاد الوطني يتعلق مصيره بحجم الانتماء للوطن والمشكلة التي تبدو ان ثمة ازمة انتماء واخلاص للوطن، والا ما المانع من اعادة الروح للانتاج الوطني، كي يسهم في امتصاص زخم البطالة المتصاعد يوميا، ما المانع من اعادة هذا الروح إلى العمل إن لم تكن ثمة غايات ومآرب اقتصادية ومصالح خاصة واجندات معلبة بعمولات بشتى انواع العملات الدولية والاقليمية.