في تفكيك المركزية الغربية

ثقافة 2019/12/02
...

عن مؤسسة الفكر العربي  صدر حديثا كِتاب بعنوان (انزياح المركزية الغربية. نقد الحداثة لدى مثقفي ما بعد الكولونيالية الصينيين والعرب والهنود) من تأليف الباحث الفرنسي توماس بريسون، وترجمة الدكتور جان ماجد جبّور. الكتاب يعالج مسألة استمرار المركزية السياسية والفكرية للغرب ويتساءل الكاتب في المقدمة: كيف يحصل أنه بعد عقودٍ عدة من نهاية الإمبراطوريات الاستعمارية، لا يزال عالَمنا يعتمد على المعارِف التي تمّ إعمامها أصلاً لترسيخ أقدام الفتوحات الإمبريالية؟  لماذا لم يترافق إنهاء الاستعمار السياسي مع إنهاء الاستعمار العلمي، مما يسهم مجددا في تعدد مراكز إشعاع عالم الفكر؟ ويرى أن الإجابة عن هذه الأسئلة، تمت من خلال إطلاق أطر بحثية ابستمولوجية وسياسية عدة، من بينها: (الكونفوشيوسية الجديدة)، التي بدأت في مطلع القرن العشرين في آسيا، ثم أُعيد إحياؤها عند منعطف السبعينيات والثمانينيات من قبل باحثين أميركيين ينحدرون من أصولٍ صينية، و(دراسات ما بعد الكولونيالية)، وهي ثمرة التعاون بين مفكرين عرب وهنود يعملون كذلك في جامعات أميركا
 الشمالية.
ويشير الكاتب إلى أن العديد من الباحثين الهنود قد طرحوا منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، اسس تفكير نقدي، تأريخي ونظري، حول إرث الحداثة الغربية، مسلطين الضوء على التباس الفضاء المفاهيمي الذي وضعه الاستعمار بين أيدي الهنود، للتفكير في واقع خضوعهم للهيمنة الكولونيالية . تمحورت عمليات التفكير هذه حول مشروع تفكيك هذه الهيمنة بالذات، من خلال رفض ادّعاءات الغرب بمشروعيته العالمية. لافتا إلى أن مسألة العلاقة بين الهيمنة السياسية والهيمنة الفكرية قد طرِحت في الوقت نفسه من قبل مثقّفين عرب أثناء النقاش الذي دار حول الاستشراق، والذي انطلق مع صدور كتاب إدوارد سعيد الذي حمل العنوان نفسه(الاستشراق). وقد اتجهت عمليات تفكير المثقفين الهنود والعرب نحو السعي لايجاد طرائق معرفية متعددة خارج أطر الغرب وتلاقت بدءا من ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بفضل التحاق هؤلاء للعمل في الجامعات الأنجلوسكسونية وانتشار نصوصهم (المكتوبة باللغة الإنكليزية)، مما أعطى لنقدهم بعدا عالميا، 
الكتاب ينقسم إلى جزءين، الجزء الأول جاء تحت عنوان (الكونفوشيوسية الجديدة، حداثة آسيوية في أميركا) يتضمن ثلاثة فصول، يتحدث الكاتب في الفصل الأول عن أصول الكونفوشيوسية الأميركية وكيفية انهيار وإعادة بناء الكونفوشيوسية في العصر الحديث، بينما يتوقف في الفصل الثاني عند الكونفوشيوسية والحداثة الآسيوية والتغييرات الاجتماعية، أما في الفصل الثالث فيتطرق إلى حقوق الإنسان بوصفها نقطة تحول سياسية للكونفوشيوسية الجديدة.الجزء الثاني من الكتاب حمل عنوان (نظرة جديدة على العوالِم غير الغربية: مثقفون عرب وهنود في الولايات المتحدة) يتضمن فصلا حول الاستمرارية والقطيعة في النقد العربي ويتناول كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، إضافة إلى فصل أخير يرصد (دراسات التابع) الهندية ومشروعات التأريخ البديلة. من هنا، الكتاب هو أكثر من مجرد رسم خريطة للأفكار التي تكونت في مرحلة ما بعد الاستعمار، بل هو يقترح إحاطة سوسيولوجية بالمفكرين الرئيسين لهذه الحقبة، ويبين بشكلٍ خاص تأثير المنفى في نتاجهم الفكري.
تجدر الإشارة إلى أن توماس بريسون هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الثامنة، وباحث في (مركز البحوث الاجتماعية والسياسية في باريس) له العديد من المؤلفات، من بينها: (المثقفون العرب في فرنسا: هجرات وتبادلات فكرية). أما جان ماجد جبور فهو أستاذ في الجامعة اللبنانية. باحث ومترجم. له مؤلفات عدة، فضلا عن عدد من الكتب المترجمة. منها: (عندما يعيد الجنوب اختراعَ العالم) لبرتران بادي.