فنطازيا الواقع المُلتبس

ثقافة 2019/12/02
...

صباح محسن كاظم    
 
المُنتج الروائي الحديث بعد 2003 يتعاطى مع الواقع العراقي بكلّ إفرازاته في السرد الروائي المُنجز، وهو يتماهى مع التحولات والإيقاعات السريعة، هذا ما دأب على اشتغالاته السرديّة نخبة كبيرة من الروائيين تناولت رواياتهم ج١ وج٢ وج٣ من موسوعة فنارات في الثقافة العراقية. دراسات نقدية....
 
 رواية الشويلي
تحتشد الرؤى بين حبكة السرد، وغرابة المواقف، وهندسة الحروف، وفلسفة الرياضيات..  في خلطة روائية تتسم بالغرائبية وبالتعاطي مع مايمور به الواقع العراقيّ، ومنطلق الغرابة هو الواقع بإلتباساته، وأحداثه، وصخبه، وعنفه، خساراته، ضجيج الأحداث، وفوضى الحياة، وكيفية معالجة الحدث والرؤية السردية التي تمكن "الشويلي" من التعامل معه في البناء السردي.. وأرى هناك نسقاً بنائياً مُغايراً اعتمده المبدع "هيثم الشويلي" اختلف عن رواية التي فازت بالشارقة وقد خصصت دراسة نقدية لها بمجلة (آفاق أدبيّة) العام الماضي. 
فقد اعتمد  بهذه الرواية على الجداول الرياضية، والهندسية، وفق رؤى وظفها في روايته (الباب الخلفي للجنة) الصادرة عن دار فضاءات /2016 بـ 350 صفحة، ثمة إيقاع إتسم بالرومانسية في معالجة العاطفة والحب والشغف والوله بالعشق مع المكابدات اليومية الضاجة بها الحياة في خضم العنف وهي رواية غرائبية في مضمونها، ومعالجاتها.. فالرواية التي يختلط فيها الألم بالأمل والحب بالواقع والخيال..  حشد "الشويلي" خلطة من الطقوس السحرية والأرقام.. والطلاسم.. وأمكنة متعددة (العراق- فرنسا- السويد- الأردن)، فضلا عن الأماكن المحلية المتنوعة، تعدد الأديان (مسلم- مسيحية).
 صفحة(7) من الرواية: يطلُّ علينا الكاتب بعبارة استفزازية يقول فيها "مدينتي ايسكولاس أدخلوها بسلام آمنين"، فهناك من الغموض  والأحداث سيترأى لكم، وهو بهذا الاصطحاب أراد بنا التطواف معه في
 البحث عن سر هذه المدينة، اكتشفنا أن ثمة أنثى وحبيبة خلف كل هذا، عشقها بطل الراوية وفعل من أجلها المستحيل ليصل لمدينة في مكان من هذا العالم، وبعد هذه العبارة الاستفزازية الأولى لصنع الدهشة في التلقي منذ البداية ..
ص ( 9: )
(يقولون إنّ زمن المعجزات انتهى مع الأنبياء والأولياء والأوصياء، لكني أشك بهذا الرجل الكبير الطاعن بالسنّ الذي يُلقنني على الدوام ما يجود بقلبي، حين كنتُ أصارحه بذلك يبتسم ويقول "إنَّ الله يصطفي من يشاء، فكن صافياً نقياً ولا تخف من أهوال الدنيا"، لقد كان العم عباس شاه يبثُّ الحياة بي عبر كلماته البيضاء دائمًا).
تدور أحداثها في الفترة الممتدة ما بين الاقتتال الطائفي والعنف الدامي  إلى حين سقوط الموصل على يد عصابات داعش عن مجموعة من الاشخاص يعملون بسوق الشورجة، إذ يعمل بطلها عتالاً، يتعرف على العم عباس شاه الرجل الصوفي الذي يبيع سلال الخوص المصنوعة من سعف النخيل.
في يوم من الأيام وهو يتصفّح هذا العالم الأزرق يلتقي من خلال منشور بشخصية لايعلم عنها ان كانت وهمية أم حقيقة لكنه ينبهر بتفاصيل صورها المثيرة ويبقى يفتش في صفحتها ينبش في المحظور، وهو يتصفّح صفحتها في كل ليلة، وحين اشتعل الفضول بداخله بات يقترب أكثر من تفاصيل الصورة التي عشقها من غير أن يتكلّم 
معها..
(ماريا) هي الصديقة والحبيبة والعشيقة التي كان يحلم بها أسعد وهو يحدثها في كل ليلة، تعرف عليها من خلال منشوراتها الموجعة واكتشف بعد مدة من الحديث إليها أنّها عراقية تسكن مدينة - ليون - الفرنسية بعد أن منحتهم الحكومة حق اللجوء لكل مسيحيي العراق، ويبقى متعلقاً بها لدرجة كبيرة.
كان يرى ماريا عبر كاميرا الدردشة بنصف وجه فهي تغطي نصف وجهها بشعرها مما أثار الفضول بداخله كثيراً وهو يبحث عن سر هذا الاخفاء، كانت تمانع ان يعرف، لكنّه أرغمها على ذلك وحين كشفت له شعر بالذهول الكبير، وحين استفسر عن ذلك كشفت له عن قصتها الكاملة. يذكر الناقد  محمد يونس بكتابه (التحديث الاصطلاحي.. دراسة الأنساق الوظائفية المستحدثة في بنية الرواية) ص 27 أنّ هناك رأيا واسعا تراه منظومة النقد بأنّ الرواية فيها مسعى إلى ابتلاع الأنواع والأجناس الأدبية الأخرى، وربما تشمل الفنون أيضا فمثلا غلاف الرواية الذي يمثل شكلا رمزيا لها من جهة، ومن أخرى ربما إطار آلي وعضوي في الترتيب المعهود للكتاب). 
كما نجحت روايته السابقة بوصلة القيامة، هذه الرواية التي أنجزت حديثاً تتماهى مع واقعنا العراقي الجديد. يذكر أن للمبدع هيثم الشويلي روايات مهمة أخرى رواية بوصلة القيامة ٢٠١٤ صادرة عن قسم الجوائز- دائرة الثقافة والاعلام في الشارقة. 
 
رواية الباب الخلفي للجنة- دار فضاءات الاردنية للنشر والتوزيع ٢٠١٧.
رواية فجيعة الفردوس- دار فضاءات الاردنية للنشر والتوزيع ٢٠١٩.
رواية رماد المرايا- دار راشد للنشر في الفجيرة الامارات عام ٢٠١٩. وهي الرواية المرشحة للقائمة الطويلة لجائزة راشد بن حمد للابداع الروائي العربي.